الفضيحة هي أن يُتّهم موظف في وزارة الخارجية بالتحرّش بموظفات خلال تأدية وظيفته في البعثات اللبنانية في العالم، ويصدر قرار إداري يسمح له باستكمال مهماته في الخارج. أسرار «الخارجية» في خطر، وسمعة الدولة اللبنانية أيضاً
فُتح، بداية العام الحالي، تحقيق في وزارة الخارجية بحقّ أحد موظفيها (وهو منذ ٢٦ آب ٢٠١٦ عضو لجنة حزبية في التيار الوطني الحر)، مُتّهم بالتحرّش الجنسي. شكاوى البعثات اللبنانية في مرسيليا ولوس أنجلس وديترويت، بأنّ الموظف الذي أُرسل في مهمات ضمن وظيفته إلى تلك البلاد، كان يتحرّش بموظفات، أدّت إلى كشف القضية. فِعل الموظف، في حال ثبوته، يُعتبر جُرماً يُعاقب عليه القانون بالطرد من الوظيفة.
واللافت أنّ دبلوماسيين يؤكدون أن المشكو منه اعترف بالتُّهم الموجّهة إليه، لكنه قال إنها فُهِمت على غير حقيقتها. وعوض أن تُتّخذ الاجراءات بحقه، ويتم تعليق عمله، «كوفئ» بصدور قرار إداري يجيز له متابعة مهماته في الخارج، التي ستشمل أستراليا وماليزيا وإندونيسيا. وتضاربت الأنباء حول القرار النهائي الصادر في القضية؛ ففيما أشارت مصادر في الخارجية إلى أن الوزارة اكتفت بتأنيب المشكو منه، قالت مصادر أخرى من الوزارة نفسها إن التحقيق لم ينته بعد.
جذور القصة تعود إلى عام ٢٠١٦، تاريخ البدء بمشروع مكننة وزارة الخارجية المعروف بالربط الإلكتروني بينها وبين البعثات اللبنانية في العالم. أحد المديرين الإدارييين، الذي يُتّهم بأنه «الراعي الرسمي» للمشكو منه، وإحدى المستشارات في الفريق الضيّق للوزير جبران باسيل، عملا على تكليف الموظف بمتابعة الربط الإلكتروني. وتجدر الإشارة إلى أنّ «الموظف يدّعي أنه مدير، في حين أنّ مراسلات عديدة بين الخارجية ومجلس الخدمة المدنية تؤكد أنه موظف متعاقد». وبدأ المشكو منه يُسافر إلى البعثات من أجل إنجاز الربط الإلكتروني، فجرى تكليفه بأكثر من 50 مهمة خارج البلاد، وطُلب إلى رؤساء البعثات دفع تكاليف إقامته من اعتماد التمثيل الديبلوماسي.
استغل المشكو منه مركزه «للتحرّش جنسياً بموظفات في الفنادق وفي البعثات الديبلوماسية»، بحسب التهم موجهة إليه. وفي إحدى الشكاوى المُرسلة، التي اطّلعت عليها «الأخبار»، يرِد أنّ المُتّهم «لاحق موظفة في فندق على مدى أيام، مُكرّراً دعوته لها إلى غرفته، ووعدها بعشاء مع نبيذ ودفع تكلفة سيارة الأجرة التي ستُقلّها إلى منزلها». ويُقال في الوزارة إن المدير النافذ أخفى عن باسيل شكوى مُرسلة من بعثة لبنان في مرسيليا أواخر شهر كانون الثاني الماضي. كذلك فإن المدير المذكور لم يأبه باعتراضات الأمين العام بالوكالة شربل وهبة على سلوك الموظف. وبقي باسيل جاهلاً بما يدور، إلى أن وردت إلى «الخارجية»، في نيسان الماضي، شكويان من لوس أنجلس وديترويت «تضمنتا تفاصيل عن إصرار الموظف على إقامة علاقة جنسية مع موظفة متزوجة (في إحدى البعثات)، ومع موظفة في أحد فنادق ديترويت». أبلغ وهبة باسيل بالموضوع، فطلب الوزير تشكيل لجنة تحقيق برئاسة الأمين العام للخارجية. في كلّ جلسة «كانت أقوال الموظف تتبدّل، وكان يشتد الدعم الذي يتلقّاه من المدير النافذ». الأخير طلب من المشكو منه «الدفاع عن نفسه، بالردّ خطّياً على شكوى بعثة لوس أنجلس. فما كان من القنصل العام هناك إلا أن ردّ برسالة تتضمن شهادات موقّعة من عدد من موظّفي البعثة».
الموظف الذي تقع أسرار البعثات اللبنانية حول العالم «تحت رحمته»، كونه يعمل في مشروع الربط الإلكتروني، تتضارب المعلومات بشأن علاقته بوزير الخارجية. ففيما يزعم هو أنه مدعوم من باسيل، يُقال إنّ وزراء تكتل التغيير والإصلاح في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي عطّلوا تعيينه في منصب إداري رفيع في وزارة الشؤون الاجتماعية. لكن تُطرح أسئلة عدّة عن سبب عدم اتخاذ باسيل إجراءات صارمة بحق الموظف. وإذا كان لوزير الخارجية اعتبارات خاصة، تتعلّق بعدم رغبته ربما في إثارة خضّة داخل التيار العوني والوزارة قبل الانتخابات النيابية، فإنه يبقى المتضرّر الأول من استمرار هذه القضية مثارة في أروقة «قصر بسترس» والبعثات.