IMLebanon

حراسة الفراغ حتى الإنهيار الكامل

 

في رواية “وحوش هشة” تقول الكاتبة الأسترالية – البريطانية كاترين مينون: “الماضي ليس بلداً أجنبياً بمقدار ما هو عالم عدائي”. وفي واقع لبنان الهش، يبدو المتحكمون به كأنهم في دور أعدائه من بلد أجنبي وكأن مستقبله عالم عدائي. فهم يكررون السجالات التافهة والعقيمة من على حافة الهاوية التي دفعوه اليها. ويتبارزون بإدعاءات القوة وتسجيل الأرباح فوق شعب غارق في أزمات مالية وإقتصادية وإجتماعية. لا بل صار لبنان في نظر العابثين به مساحة جغرافية وأرضاً سائبة.

 

ذلك أن المؤسسات هياكل شكلية. برلمان عاجز يقاوم الدعوات الى حله وإجراء إنتخابات مبكرة لا أحد يضمن أن تؤدي الى تغيير حقيقي. رئيس بلا جمهورية. رئيس مكلف بلا حكومة. مصرف مركزي “بعزق” الإحتياط من العملات الصعبة. مصارف قامرت بأموال المودعين في مزراب سلطة فاسدة. قضاء يتهدده تحكّم القدر. نخبة الشعب محكومة بالهجرة، واللاجئون يتصرفون كأنهم أصحاب البلد. مافيا سياسية ومالية وميليشيوية مدعومة وشعب مدعوس. ميليشيا عملت على “عسكرة” طائفة وصارت جيشاً يمسك بمفاصل السلطة ويحارب في المنطقة. والمؤسسة الوحيدة السليمة والتي تحافظ على أمن الوطن والمواطن هي الجيش الصامد بمعجزة في مناخ إنقسام سياسي وإفلاس مالي.

 

وليس هناك شيء اسمه تعطيل من دون هدف. فلا أحد يترك البلد ينهار ويراهن على الفراغ السلطوي إن لم يكن يريد توظيف الإنهيار في خدمة مشروع ما. ولا شيء واضحاً حيال ما بعد الفراغ واكتمال الإنهيار. من لديه مشروع تغييري كبير يتكتم عليه، بصرف النظر عما إذا كان قابلاً للتحقيق. ومن يعمل من أجل هدف سياسي ينكر ويمارس الخداع في الخطاب.

 

والأخطر هو ربط هذه الرهانات بتحولات إقليمية – دولية لا تزال في بداياتها. فلا هي تتحرك في اتجاه واحد لمصلحة طرف واحد. ولا الصفقة النووية بين أميركا وإيران والتي تعمل لها روسيا والصين وفرنسا وألمانيا هي نهاية اللعبة. أولاً لأن إدارة الرئيس جو بايدن تعتبر أن العودة الى الإتفاق النووي مرحلة تتلوها مرحلة سد النواقص في الإتفاق ومعالجة ملفي الصواريخ الباليستية ونفوذ طهران وسلوكها في المنطقة. وثانياً لأن الصواريخ التي لعبت دوراً مهماً في حرب غزة والموجودة بأرقام كبيرة لدى وكلاء إيران أعادت التذكير بوضعها في الحساب أكثر من السلاح النووي الذي ليس للاستعمال. ومن الصعب، في أية لعبة جيو سياسية، تصور القوى الدولية تسلّم لإيران بالسيطرة على الشرق الأوسط وتترك لها الصواريخ وترفع العقوبات مقابل العودة عن خرقها للإلتزامات.

 

كان بسمارك، كما يقول المؤرخ جون لويس غاديس، يعرف أين ستسقط القطع، وهو يضرب الستاتيكو لبناء نظام جديد. وليس هذا ما ينطبق على حراس الإنهيار والفراغ.