Site icon IMLebanon

ما يراد للبنان في انتظار الزوال

 

“كنا نلعب بالنار من دون أن نمتلك شيئاً لإطفائها”. هذا ما قاله عن الحرب الباردة وزير الخارجية الأميركي جورج مارشال صاحب “مشروع مارشال”، الذي أنقذ أوروبا من الإنهيار الكامل بعد الحرب العالمية الثانية. أما اللاعبون بالنار في لبنان “الغارق في إنهيار اقتصادي ضمن أسوأ عشر وربما ثلاث أزمات عالمية منذ القرن التاسع عشر”، حسب تقرير البنك الدولي، فإنهم يمتلكون ما يطفئ النار. غير أنهم يمتنعون عن إطفائها ويصبون عليها البنزين، ويمنعون أية محاولة لإطفائها من الداخل أو الخارج. وليس ذلك مجرد “تقاعس متعمد” كشفه البنك الدولي بمقدار ما هو جريمة منظمة في حق بلد وشعب تحت عنوان الألعاب السياسية. فلا شيء بالخطأ أو بالتقصير. ولا أحد يصدق أن ما يمنع إنقاذ لبنان هو الخلاف على تسمية وزيرين، وما يدفعه الى جهنم هو حرب الفقه الدستوري.

 

ذلك أن القتال على مواقع وأدوار في بلد يخشى عليه الفاتيكان والأصدقاء من الزوال هو عمل تراجيدي له وظيفة، لا مجرد معركة سوريالية عبثية. فمنذ أكثر من نصف قرن، ونحن نسمع سؤالاً وجودياً: أي لبنان نريد؟ ولم تكن المشكلة في الأجوبة بل في القدرة على تحقيق أي جواب. كان من الصعب على أي طرف إقناع الأطراف الأخرى بتصوره للبنان الذي يريد. وما كان سهلاً أن يتم الإتفاق على صورة مشتركة للبنان ينجو من تكرار الحروب والصراعات والأزمات في كل عقد تقريباً. حتى إتفاق الطائف الذي قادتنا إليه حرب طويلة مدمرة تعددت وجوهها المحلية والعربية والإقليمية والدولية، فإنه صمد على الورق فقط. أما في الواقع، فإنه نظام هجين من النظام واللانظام، من المركزية وفيديرالية الطوائف، يفتقد الى “الضابط الكامل” الذي يحسم الأمور من خلال الدستور، ويحتاج في كل خلاف الى مدير خارجي. فالدولة غائبة. السلطة تسلط. الدعوات الى دولة مدنية هي في معظمها تحايل لهيمنة طائفية أو مذهبية. والحل النموذجي الذي هو دولة وطنية علمانية ديمقراطية حلم ومهمة مستحيلة.

 

والمشهد اليوم مخيف: إنتقلنا من سؤال أي لبنان نريد، الى واقع لبنان الذي لا أحد يريده. كل طرف يشكو من لبنان الحالي المأزوم مالياً وإقتصادياً وإجتماعياً وسياسياً ووطنياً والمهدد بخطر وجودي. والمافيا السياسية والمالية والميليشيوية المتسلطة تحرس الإنهيار حتى النهاية. وكل نهاية بداية لشيء آخر. والظاهر أن الخطة التي ينكرها أصحابها هي الوصول الى لبنان كما يريده طرف واحد ضمن مشروع إقليمي. وهذا كابوس لن ينجو منه حتى من يتصور أنه حلم.

 

في مسرحية صموئيل بيكتب “الأيام السعيدة” جدل بين بطلين يتراكم الرمل فوقهما، ويستمران في الجدل حتى يطمرهما الرمل. أليس هذا هو المشهد الواقعي في لبنان؟