بعد أن تسلّم الرئيس الأميركي دونالد ترامب مقاليد السلطة في البيت الأبيض الاثنين، متحدّثاً عن “العصر الذهبي للولايات المتحدة الأميركية”، ومطمئناً بأنّه سيكون “صانع سلام ويُنهي الحروب”، قال انّ “اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان سيبقى سائداً”. هذا الأمر الذي سبق وأن تحدّث عنه الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين بأنّ “هذا الاتفاق وُقّع بين لبنان و “إسرائيل” لكي يستمر لعقود”، أي ليس فقط لمهلة الـ 60 يوماً ،التي حدّدها لوقف الأعمال العدائية بين الجانبين، وللانسحاب “الإسرائيلي” من القرى الحدودية، ولتطبيق سائر النقاط، التي ينصّ عليها.
وهذا يدلّ على النيّة الجديّة لدى الولايات المتحدة الأميركية للجم عودة الى الحرب بين حزب الله والعدو الاسرائيلي. فهل يضمن كلام ترامب الانسحاب الكامل “للإسرائيلي” قبل 27 كانون الثاني الجاري، سيما أنّ المقاومة أعلنت أنّها لن تبقى صامتة إذا مرّت مهلة الـ 60 يوماً من دون نتيجة كاملة؟!
ما يؤكّد على عدم العودة الى الحرب، رغم حديث بعض المسؤولين في “إسرائيل” عن وضعهم خططاً جديدة للقتال في جنوب لبنان، على ما تقول أوساط ديبلوماسية مطّلعة، مجموعة معطيات هي:
– أولاً: “وقف إطلاق النار بحدّ ذاته”. فمتى اتُخذ هذا القرار من قبل الجانبين، وجرى الالتزام به، رغم أنّ القوّات “الإسرائيلية” تستمر في خروقاتها الفاضحة للاتفاق، فهذا يعني أن لا مجال لتجدّد القتال.
– ثانياً: إنّ الأسباب الثلاثة التي سبق وأن تذرّعت بها القوّات “الإسرائيلية”، لعدم تنفيذها أو تأخيرها الانسحاب من القرى الحدودية التي دخلتها أخيراً، وهي: تمكّن الجيش “الإسرائيلي” من اكتشاف وتدمير البنية التحتية لحزب الله، وعجز الجيش اللبناني عن الوفاء بمسؤولياته في تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار، وعدم اكتمال أنظمة الدفاع الحدودية في “إسرائيل”، لم تعد قائمة اليوم. فلجنة المراقبة “الخماسية” هي التي تُشرف على تطبيق وقف النار، وترى أنّ الحزب التزم بالاتفاق ولم يخرقه على ما تفعل “إسرائيل”. كذلك ليس على “الإسرائيلي” أن يقوم بتدمير البنى التحتية للحزب، فالحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة من مهام الجيش اللبناني، الذي يستكمل انتشاره في المنطقة الجنوبية وفق الخطة الموضوعة، وليس صحيحاً أنّه عاجز عن تحمّل مسؤولياته، بل على العكس فهو يقوم بما ينصّ عليه الاتفاق، ويتعاون في ذلك مع قوّات “اليونيفيل” كما مع لجنة المراقبة. وفي ما يتعلّق بسبب عدم اكتمال أنظمة الدفاع الحدودية، فهي ليست حجّة ملائمة لعدم تطبيق الانسحاب من القرى الحدودية.
– ثالثاً: إنّ بقاء القوّات “الإسرائيلية” في مواقع حدودية بعد 27 كانون الثاني الجاري، خلافاً لما ينصّ عليه اتفاق وقف إطلاق النار، سيجعلها في موضع احتكاك عسكري، كونها داخل الأراضي اللبنانية. الأمر الذي يجعل من حقّ حزب الله مواجهتها مجدّداً. وهي اليوم بغنى عن العودة الى الحرب، بعد أن نفّذت وقفاً لإطلاق النار في غزّة وتُجري حالياً عملية تبادل الأسرى.
– رابعاً: الضغوطات الغربية والعربية: تسعى الولايات المتحدة، بصفتها الوسيطة في هذا الإتفاق، وترأس لجنة مراقبة تنفيذه، إلى ضمان استقرار الوضع في جنوب لبنان. ولهذا تمارس اليوم ضغوطًا ديبلوماسية جديّة على “إسرائيل” من أجل الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار. وقد أكدت مصادر أميركية في وقت سابق، أن الولايات المتحدة تعتقد أن تنفيذ الإتفاق بشكل كامل، سيكون خطوة مهمّة نحو تعزيز الاستقرار في المنطقة. وهناك بالتالي دور الأمم المتحدة، والدور المتنامي للاتحاد الأوروبي وبعض الدول العربية، التي تسعى الى تحقيق إستقرار أكبر في الشرق الأوسط.
وتحدّثت الأوساط نفسها عن أنّه رغم التطمينات عن تنفيذ “إسرائيل” انسحابها من القرى الحدودية ضمن المهلة المحدّدة، تبرز بعض التحديات التي قد تؤثّر في عدم تنفيذ اتفاق وقف النار، أو في تأخيره بعض الشيء، أبرزها:
– أولاً: تاريخ النزاعات بين لبنان و “إسرائيل” يعكس دائماً نوعاً من عدم الثقة المتبادلة، ما يثير تساؤلات حول مدى استعداد “إسرائيل” للوفاء بشروط الاتفاق. من جهة أخرى، تضع “تل أبيب” أمنها القومي في المقام الأول، وتعتبر بعض المناطق الحدودية مع لبنان ذات أهمية استراتيجية، ما يجعل من الصعب على “إسرائيل” الانسحاب منها بشكل كامل، لا سيما في ضوء استمرار التهديدات الأمنية، من وجهة نظرها، من قبل حزب الله.
– ثانياً: رغم الضغوطات الدولية، لا يمكن الجزم بأنّ “إسرائيل” ستقوم بالانسحاب الكامل، كما هو متوقّع في الموعد المحدّد، سيما أنّها غالباً ما تتذرّع بأنّها تدافع عن نفسها، وتريد “حماية أمن المستوطنات”، ما يجعلها تخرق أي اتفاق بغطاء أميركي.
يبقى السؤال: هل سيعود حزب الله الى المواجهات العسكرية مع “إسرائيل” في حال لم تُنفّذ الانسحاب الكامل من جميع القرى الحدودية، كما هو متفق عليه، وأبقت على بعض المواقع، على غرار ما فعلت في العام 2000 ،عندما انسحبت من المنطقة الجنوبية وبقيت محتلّة لمزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقسم الشمالي من بلدة الغجر؟ من الواضح، وفق الأوساط الديبلوماسية، أنّ الحزب يعتبر أن بقاء القوات “الإسرائيلية” في الأراضي اللبنانية يُعدّ تهديداً للأمن السيادي للبنان، ويُشكّل خرقاً للاتفاق. كما يؤكّد على حقّه في الدفاع عن الأراضي اللبنانية حتى وإن تطلب الأمر العودة إلى المواجهات العسكرية. غير أنّ الاتفاق يعطي الجيش اللبناني مسؤولية الحفاظ على السيادة، لهذا فمن المستبعد أن يتخذ الحزب قرار التصعيد مجدّداً.