IMLebanon

تعقيدات وحسابات متشابكة في إنتخابات طرابلس

يُعتبَر مجلس بلدية طرابلس من أكبر المجالس البلدية في لبنان، بحيث يضمّ 24 عضواً. كما تُعتبَر طرابلس العاصمةَ الثانية في لبنان، وتؤدّي دوراً أساسياً كمحور إداري واقتصادي وتجاري وثقافي في لبنان عموماً والشمال خصوصاً.

نُظّمت آخرُ انتخابات بلدية في طرابلس عام 2010، على رغم أنّ الحاجة إلى إجراء هذه الانتخابات في طرابلس اليوم تتعدّى العملية الديموقراطية التي تفترض إجراءَها في مواعيدها الدستورية، عِلماً أنّ المزاج الشعبي العام في المدينة ﻻ يرغب في تجربة التوافق التي انبَثق عنها المجلس البلدي الحالي وما رافقه من سياسة تعطيل وخلافات، ما أفقدَ المدينة إمكانية معالجة الوضع المأسوي، فيما يبدو ظاهريّاً أنّ القوى السياسية نفضَت يديها من «إثْم» تكوين مجلسها الحالي عبر إلقاء الحرم على أعضائه في عدم تبنّي ترشيحهم مجدّداً، والتفتيش عن نماذج جديدة عنوانُها الكفاءة والنزاهة.

العنوان الفضفاض في المدينة هو «التوافق السياسي»، أمّا المعضلة فتكمن في عدم حسمِ قرار التوافق السياسي، بالإضافة إلى معضلات أخرى قد تعلَن تباعاً، تَكمن في التمثيل المسيحي، إذ يُعتبر الحفاظ على التمثيل المسيحي والعَلوي أيضاً في المجلس البلدي الإشكاليةَ الأساس في اﻻتصالات السياسية المتعلقة بالتوافق السياسي.

فالقوى السياسية المختلفة ﻻ تجد تبريراً لاتّفاقها سوى تجنيبِ طرابلس معركةً انتخابية وحصول منافسة شديدة، ولأن لا كوتا تَحفظ حقوق المسيحيين والعَلويين فهُم معرّضون للحرمان من التمثيل.

الثِقل الأساسي للمسيحيين موجود في أحياء الزاهرية والتل والقبّة، ويبلغ عدد الناخبين الروم الأرثوذكس (20 ألف ناخب) ﻻ يشارك منهم سوى 4000 فقط في أحسن الأحوال. في المقابل لا يتجاوز الناخبون الموارنة الـ 400 على لوائح الشطب، ولا يشارك سوى نصفهم، ويُحجم الباقون لأسباب عدة.

الأمر نفسه بالنسبة إلى العلويين الذين يبلغ عددهم 20 ألف ناخب في حي جبل محسن المدرَج ضمن منطقة التبّانة، لكنّ هؤلاء يتكتّلون، ما يعطيهم قوّةً ناخبة بارزة تقدَّر بنحو 12 إلى 13 ألف ناخب تصبّ مع مَن يتحالف معها.

وتكمن الإشكالية في أنّ كلّ هذه الأصوات ولو صبّت في اتّجاه واحد ﻻ تشكّل سوى 15 في المئة مقارنةً مع الناخبين السُنّة الذين يشاركون فعلياً في اﻻقتراع، الأمر الذي يَجعلهم عرضةً للذوبان في المحيط السنّي.

مِن القوى المسيحية المؤثّرة في الرأي العام المسيحي، رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، كونه تربّى وترعرع في المدينة، نتيجة تراث مِن العلاقات العائلية المشتركة.

وهناك حضور خجول لحزب الكتائب بعد تمثيل النائب سامر سعادة عبر المقعد الماروني في طرابلس، بالإضافة إلى وجود مناصرين لـ«القوات اللبنانية» تحديداً عند الشباب المسيحيين في طرابلس، فضلاً عن أصوات العائلات المسيحية المعروفة مثل عائلات فاضل، خلاط وحبيب، التي من المفترض أن تصبّ أصواتها وفق تحالفاتها، مع تسجيل أنّ الأصوات العونية ستضيع وتتشتّت بعد اتّفاق العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع من جهة، وفرنجية والرئيس سعد الحريري من جهة أخرى.

أمّا العلويون فوَلاؤهم معقود لصالح النائب السابق الراحل علي عيد الذي يُعتبر بمثابة زعامة محلّية للعلويّين بلا منازع، غير أنّ بعض المراقبين سجّلوا خرقاً بارزاً بعد وفاة علي عيد وهروب ابنِه رفعت إلى سوريا جرّاء اتّهامه بالتورّط في تفجير مسجدَي التقوى والسلام، ويبدو أنّ هناك حراكاً لِما يسمّى المجتمع المدني في جبل محسن خارج عباءته.

أزمة البلدية

الانقسامات الحادة داخل المجلس البلدي نتيجة الصراعات السياسية نكبَت المدينة في الأعوام الماضية، ممّا أدّى إلى استقالة رئيسها نادر الغزال، لكنّ الاستقالة لم تُجدِ، إذ إنّ الوضع لا يزال يتدهور، في ظلّ تنافسٍ سياسي حادّ بين أعضائها العاجزين عن الإجماع على أيّ مشروع للمدينة، علماً أنّ قضية مرآب التلّ تشكّل إحدى تلك الأزمات التي أمعنَت في تفكّك المجلس البلدي.

لذا يبدو الأفق مسدوداً أمام البلدية الحاليّة وأعضائها. وبات واقع بلدية طرابلس يعرقل قضايا إدارية وإنمائية كثيرة، بالإضافة إلى الأعمال التي تعود السلطة فيها حصراً إلى المجلس البلدي.

لكنّ العمل البلدي في طرابلس بات يأخذ منحىً مسَيَّساً بحكم الأمر الواقع في المدينة، لذلك سيشكل اختباراً لموازين القوى التي تبدّلت عن نتائج عام 2010، فسلطة الأحزاب والمذاهب والقوى السياسية داخل فريقَي «14 و8 آذار» تتهيّب لرَصد قوّتها وتأثيرها في الانتخابات المقبلة.

وفيما الرأي العام في طرابلس يصرّح عكس ما يضمره في الخفاء، يَعتبر بعض السياسيين والفعاليات أنّ الأجواء مع اقتراب الاستحقاق تبدو توافقية، لكنّ الجولة التي قامت بها «الجمهورية» أوحت بغير ذلك.

فتيّار «المستقبل» سبقَ أن خاض معارك بلدية في وجه خصومه السياسيين في الشارع السنّي، كما في شارع «8 آذار»، لكنّ معركته اليوم لن تكون محسومة على غرار سابقتها، وسط بروز حالات سنّية (موالية – معارضة) مثل الرئيس نجيب ميقاتي والوزير أشرف ريفي، والنائب السابق مصباح الأحدب الذي استغربَ البعضُ موقفَه المتقلّب في أقلّ من أسبوعين، فيما لم يُفهم حتى الساعة موقفُه النهائي من اللائحة المحايدة التي كان ينوي دعمها أو ترَؤسها وفق ما سُرّب! إضافةً إلى النائب محمد الصفدي الذي نشط أخيراً إنمائيّاً وليس سياسيّاً.

وفي وقتٍ يفضّل تيار «المستقبل» دعمَ التركيبة التوافقية، يفضّل الآخرون دعمَ المجلس المحايد، البعيد عن التحالفات والاصطفافات السياسية، وتشكيل مجلس بلدي متجانس يتألف من أهل الفكر والأكاديميين.

وفي هذا الاطار، يشدّد منسّق تيار «المستقبل» في طرابلس ناصر عدرة على أنّ موقف الأمين العام لتيار «المستقبل» أحمد الحريري «يُعبّر بوضوح عن رأي تيار «المستقبل» بالنسبة إلى بلدية طرابلس، والذي يدعو إلى التوافق السياسي ويؤيّد المجلس المتوافق عليه من كلّ الفرقاء السياسيين».

ويؤكد لـ«الجمهورية» أنّ «كوادر تيار «المستقبل» على أهبة الاستعداد للانتخابات البلدية المقبلة، وأنّ التيار يشجّع وصول رئيس للمجلس البلدي يتمتّع بمناقبية، على أن يترك الخيار للمجتمع المدني بحرّية الترشّح إلى عضوية بلدية طرابلس»، لافتاً إلى أنّ «طرابلس زاخرة بالطاقات».

وعن الأسماء، يقول عدرة: «حتى الآن، لا أسماء متّفَق عليها ثابتة ومحدّدة، والأسماء المتداولة في الإعلام غير رسمية»، ملاحظاً أنّ «تيار «المستقبل» لديه طروحات، وهو يناقشها مع مختلف الفرقاء في المدينة».

أمّا اللائحة التوافقية المتوقّعة، فيلفت إلى أنّها «لم تعلَن بشكل رسمي بعد، وأنّ تيار «المستقبل» سيحدّد موقفَه الرسمي منها فور الإعلان عنها».

ثلاثة لوائح حتى الساعة

نواة لوائح في طرابلس تتشكّل وتتبدّل يومياً، لكنّ الثابت منها والمعلوم حتى اليوم هو ثلاث.

اللائحة التوافقية المفترضة سيشكّلها وفق المعلومات الدكتور عبد الرحمن الثمين المتوافَق عليه وفق ما يقال بين ميقاتي والحريري وسائر الفرقاء السياسيين، والتي تضمّ وجوهاً يرضى عنها الأقطاب السياسيون البارزون في المدينة.

هذا الأمر يرفضه الدكتور جمال بدوي الذي يتّجه إلى تشكيل لائحة تضمّ نخبةً من وجوه المجتمع المدني، بحيث يؤكّد أنّها ستُحدث الفَرق مثلما فعَلت عبر تصدّيها لمشروع المرآب.

وينتقد بدوي التوافق السياسي في بلدية طرابلس ويرفضه رفضاً قاطعاً، بعدما تلمّسَت المدينة فشلَه، فقرّر المواجهة مع نخبة من أهل المجتمع المدني ضمن لائحة أطلق عليها «هيئة إنقاذ طرابلس» التي تضمّ وجوهاً أكاديمية بارزة ذكر منها: الدكتور جلال عبس، المهندس خالد الولي وغيرهم.

ويشير بدوي لـ«الجمهورية» إلى أنّ 80 في المئة من أهل المدينة لا يؤيّدون التوافق السياسي، ولولا ذلك لَما استطاع المجتمع المدني التصدّي لمشروع مرآب طرابلس.

ويقول تعليقاً على من اعتبر أنّ ميقاتي كان الداعم الأبرز في تصدّيهم لمشروع المرآب: «الرئيس ميقاتي تاجر محترف لا يُزعِل أحداً. استثمر في السياسة وهو يُرضي الجميع»، لافتاً إلى أنّ «ميقاتي قال إنّه مع المرآب ضمن مشروع متكامل (أي إنّه مع المرآب وضدّه في آن)».

أمّا عن المجلس التوافقي، فيَعتبر بدوي أنّ «التوافق سيؤدّي إلى وصول رئيس مرتهَن لهم، أي سيرهن البلد مجدداً».

في المقلب الآخر، يتحضّر الرئيس السابق للبلدية نادر الغزال لتكوين نواة مجلس، لكنّه يتريّث في إعلان أسماء الأعضاء، موضحاً أنّه ينسّق مع مختلف القيادات السياسية، التي تدعم جهوده في تشكيل نواة من المجتمع المدني.

ويعتبر أنّ تفاقم المشاكل في بلدية طرابلس أعطاه حقّه وردّ له اعتبارَه بعد استقالته الأخيرة التي أحرجه فيها تيار «المستقبل»، ليتبيّن اليوم أنّ العقدة ليست في شخصه، بعدما توضّحت الصورة الحقيقية للأزمة أمام اللبنانيين عموماً والطرابلسيين خصوصاً حسب تعبيره.

ريفي

الوزير أشرف الريفي من جهته، ينفي لـ«الجمهورية» تسميته أو وعده بأيّ اسم لرئاسة البلدية أو عضويتها، مؤكّداً أنّه حتى الساعة لم يَدعم أيّ مجلس أو نواة مجلس. في المقابل، يؤكّد ريفي أنّه لن يدعم أيّ رئيس توافقي، بل سيَدعم الرئيس المحايد والمجلسَ البلدي المحايد والمتجانس وليس المجلس المتّفَق عليه سياسياً، داعياً العناصر الأكاديمية الجيّدة في طرابلس والميناء إلى التقدّم والترشّح لعضوية البلدية ورئاستها، مشجّعاً إيّاها على أخذِ المبادرة لأنّه لن يدعم غير الحياديّين.

ميقاتي

من جهته، يؤكّد مستشار ميقاتي خلدون الشريف لـ«الجمهورية»، أنّنا مع التوافق ولا نمانع التوافقَ على رئيس بلدية، والتوافق هو اتفاق، موضحاً أنّنا مع أن يختار الرئيس المتوافَق عليه أعضاءَ فريقه الذين يتجانس معهم، على أن يتمّ اختيار أعضاء من خارج المحاصَصة السياسية المعروفة، ولكن هذا لا يعني أن يكون هذا الرئيس على علاقة سيئة بالأفرقاء السياسيين المعروفين في طرابلس، بل عليه أن يكون على علاقة جيّدة معهم، وليس مرتبطاً أو مرتهَناً لأحد منهم.

تجدر الإشارة إلى أنّ جميع المرشّحين لرئاسة بلدية طرابلس أجمعوا على عقبة التمثيل المسيحي والأقليات، مشيرين إلى أنّ هؤلاء سيحتمون بمرجعياتهم وسيلجؤون إليها.