تعقيدات النكبة السورية لا تلغي ولا تنفي التبسيط الكامن في بعض حقائقها. وفي أول ذلك، أن النزوح الجماعي الراهن باتجاه أوروبا الغربية انفجر بهذه الطريقة المأسوية، بعد فشل الأتراك والتحالف العربي في «إقناع» الأميركيين بقبول إنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا.
يمكن الإكثار من التنظير والتبصير والتحليل في شأن الدوافع التركية وعلاقتها المباشرة بالأكراد وبالرغبة في قطع خطوط تواصلهم الجغرافي الممتد، أو الذي يمكن أن يمتد ويربط بين الشمالين السوري والعراقي، لكن ذلك في أساسه كما في تفرعاته يُوضع جانباً أمام المعطى الرئيسي والمركزي الأهم القائل بأن المنطقة الآمنة تخصّ السوريين أولاً وثانياً وثالثاً وعاشراً، النازحين والهاربين من فتك وحوش الآلة العسكرية الممانعة، كما المنخرطين في الجماعات المسلحة التي تقاتل تلك الوحوش.
منطقة آمنة، تعني محمية من القصف الجوي الأسدي، وممنوعة على الإرهاب الداعشي، وقابلة على استيعاب مئات الألوف من السوريين داخل بلدهم.. والأهم من ذلك كله أنها لا تخلخل ركائز السياسة الأوبامية الرافضة حتى اليوم اتخاذ أي إجراء يؤكد صيرورة بقايا سلطة بشار الأسد جثة سياسية!
في ثاني تلك الحقائق (البسيطة!) أن ما يقوله معظم المحللين العسكريين، وما يعرفه المعنيون بما يجري ميدانياً، من السلطة وحواشيها كما من المعارضة، من أن «بضعة» صواريخ مضادة للطيران الحربي، المروحي والنفّاث، يمكن أن تأخذ الحرب برمّتها إلى هدفها المتمثل بإسقاط قلاع السلطة في دمشق كما في الجنوب، كما في المناطق التي لا تزال تخضع لها في حلب ومنطقتي حماة وحمص.. «بضعة» صواريخ تسلّم إلى جهات موثوقة(!) يمكنها أن تحمي تقدم قوات المعارضة على خطوط القتال مثلما يمكنها أن توقف تلك المجازر التي تسببها براميل الأسد المتفجرة!
والمفارقة هي أن إدارة مستر أوباما، هي التي تقف حائلاً أمام القيام بتلك الخطوة الحاسمة بالمعنيين العسكري والإنساني، رغم أنها تلتزم على ما يُقال راهناً، تكتيك تصعيد الضغط على المحور الأسدي لدفعه إلى الرضوخ لمنطق «جنيف واحد«، رغم أنها هي ولا أحد غيرها(!) من يتحكم بالمصير الأخير للسلطة وبمآلات الحرب في الإجمال.
على الجانب الآخر يُفترض الإقرار، بأن النكبة السورية برغم فظاعاتها وويلاتها، لا تزال «مفيدة» لمصالح إدارة مستر أوباما.. أو بالأحرى لتكتيكاته الخاصة بكل اللاعبين الإقليميين والدوليين فيها: هي مسرح لا يُعوض، لفتك الإرهابيين الإسلاميين بعضهم ببعض، «حزب الله» وأمثاله من جهة وبقايا «القاعدة» ثم «داعش» من جهة ثانية. وأرض خصبة لاستنزاف مرير لخصوم واشنطن وأعدائها من إيران إلى روسيا.. وفرصة لا تتكرر من أجل إراحة إسرائيل فعلياً من هموم جبهتها الجنوبية (السورية) ولعقود آتية، من دون أدنى مبالغة! والأهم من ذلك كله، أن تداعياتها على الولايات المتحدة نفسها تساوي الصفر التام والمكتمل حتى لو انزعج الحلفاء في أوروبا كما في المنطقة، من قصة النزوح الراهن أو من إصابة البعض بأضرار هامشية وجانبية!
سيُسجل في التاريخ أن تلك النكبة صنعها بشار الأسد ومحوره الإيراني، لكن من رعاها هو مستر أوباما ولا أحد سواه!