تبلورت خلال أقل من اسبوع، في غمرة المفاوضات التي تجريها الولايات المتحدة مع طهران حول ملفها النووي استباقاً لموعد 24 آذار الحالي المحدد للوصول الى اتفاق، اعتراضات كبيرة لا يعتقد انه يسهل على الرئيس الاميركي باراك اوباما تجاوزها على رغم الانطباعات التي يجزم بها كثر حول حتمية الوصول الى اتفاق في الموعد المحدد. ولعب الاعلام الاميركي والعالمي جزءاً من هذه اللعبة من خلال اعتبار ان الخطاب الذي ألقاه رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو امام الكونغرس الاميركي لم يغير او لن يغير شيئاً من واقع هذا الاتفاق او احتمال حصوله . الا ان المراقبين الديبلوماسيين لا يتوقفون عند خطاب نتنياهو فحسب بل يتوقفون كذلك عند ثلاثة عوامل مهمة يتمحور اثنان منها على نتائج الجولة التي قام بها وزير الخارجية الاميركي جون كيري في ختام جولة المفاوضات الاخيرة التي جمعته في سويسرا الى نظيره الايراني محمد جواد ظريف. فاجتماعات كيري مع دول مجلس التعاون الخليجي في المملكة العربية السعودية والمواقف التي اعلنها وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل حددت الى حد كبير مقدار الانزعاج من الانعكاسات المحتملة لهذا الاتفاق المرتقب على المنطقة. واضطر كيري الى اعلان جملة خطوات من اجل الطمأنة الى مراقبة تصرفات ايران في المنطقة يجزم المراقبون ان الاداء الاميركي إزاءها يغلب الأقوال من حيث نموذج فوري ومباشر هو اعطاء واشنطن مباركتها لما يجري في تكريت في العراق من حملات عسكرية تقودها ايران مباشرة، فيما تثني واشنطن على الدور الايراني هناك. ومن المملكة السعودية الى فرنسا التي نقلت معلومات مفادها “ان باريس تأخذ على واشنطن الدفع احياناً في شكل متسرع نحو التوصل الى اتفاق مع طهران”. والموقف الفرنسي يعطي الموقف الاسرائيلي كما مواقف دول مجلس التعاون الخليجي صدقية استناداً الى ان فرنسا هي احد اعضاء مجموعة الدول الخمس الكبرى زائد المانيا التي تفاوض طهران على ملفها النووي، ما يفيد ان فرنسا كاشفة لموقف الادارة الاميركية التي اضطر رئيسها الى اعادة اظهار تشدد في موقفه يوم الاحد المنصرم عبر قوله: “سننسحب من المفاوضات مع ايران اذا لم نتوصل الى اتفاق يمكن التحقق منه”. لكن ذلك يبعث على التساؤل ازاء وجود موقف موحد في مجموعة الدول الخمس زائد المانيا من هذه المفاوضات او ان ركيزة ما يجري هي المفاوضات الاميركية – الايرانية على ان تلحق بها الدول الاوروبية المشاركة في فرض العقوبات على ايران.
اما العامل الثالث والاخير فهو الاكثر أهمية اذ يتعلق بموقف الكونغرس الاميركي المتشدد اصلاً ازاء اتفاق مع طهران والذي سيجد في مواقف اسرائيل وفرنسا ودول الخليج اسباباً اضافية من اجل الاصرار على قرار من اجل عرض الاتفاق مع طهران حين الوصول اليه امامه من اجل بته على رغم رفض اوباما للموضوع. فاذا عرض الاتفاق عليه من المرجح ان يغير فيه ولا يتركه كما هو في الوقت الذي يتوقع المراقبون مشكلة كبيرة ببن اوباما والكونغرس حين الاعلان عن الاتفاق، لكن الامر مربك وسيكون اكثر ارباكاً اذا كانت غالبية اعضاء من الحزب الديموقراطي مشاركة في هذا الموقف كما ان التحدي الذي يشكله الكونغرس سيتسبب باحراج لأوباما الذي لا يستطيع في اي حال رفع العقوبات المفروضة على ايران باعتبارها متخذة من الكونغرس، وجل ما يستطيعه هو تعليق العقوبات مما يرجح ان يدخله في مد وجزر مع الكونغرس الذي يستطيع تعقيد الامور على اوباما على هذا الصعيد. ومن غير المستبعد الا تكون ايران نفسها مرتاحة لموقف الكونغرس انطلاقاً من معرفتها ان تعليق العقوبات لا يمنع اعادتها لاحقا مع الرئيس الاميركي المقبل على غير ما يكون واقع الغائها من الكونغرس بالذات. والبيان الذي نشره اعضاء جمهوريون في الكونغرس موجها الى ايران يحذرونها فيه من الاتفاق مع ادارة اوباما يرفع التحدي امام الرئيس الاميركي.
ففي خلاصة هذه المواقف الموزعة على تنوع حلفاء الولايات المتحدة يصعب بالنسبة الى المراقبين ان تظهر الصورة الاجمالية وكأن الادارة الاميركية على حق او ترى ما لا يراه الآخرون، في حين ان الآخرين وهم من الحلفاء الاساسيين لواشنطن على خطأ، ما يعزز رأي القائلين إن الرئيس الاميركي يبحث عن ارث شخصي ليس اكثر ولا اقل ازاء الاحباطات التي ووجهت بها مشاريعه على الصعيد الداخلي وابرزها مشروع الضمان الصحي او ما يعرف بـ”الاوباما كير” ومشروع الهجرة الى الولايات المتحدة . وتالياً ثمة تساؤلات اذا كان الرئيس الاميركي يستطيع ان يترك تحفظات هؤلاء الافرقاء جميعهم وراءه والمضي قدماً نحو الاتفاق مع ايران، ولو انه سعى الى تقديم ضمانات عبر كيري او عبره شخصياً كما فعل في الرد على التحفظات الفرنسية او هو لا يزال يستطيع ان يأخذ هذه التحفظات في اعتباره في السعي الى الاتفاق المرجو فيساهم بازالة بعض الاعتراضات.
هذه الاعتبارات تدفع المراقبين المهتمين الى اعلان اقتناعهم بان الامور في ما خص الاتفاق المرتقب مع ايران قد لا تكون منتهية وفق الانطباعات التي تعمم بناء على الجولات الاخيرة من المفاوضات والتي ساهمت فيها مواقف على غرار تلك التي اشاعها وزير الخارجية الايراني بالذات. وثمة من لا يرى الاتفاق الكلي محتملاً على الاطلاق في ظل هذه المعطيات بل اتفاق اطار يسمح غموضه باستيعاب كل التحفظات