لا ندري كم بقي من هوامش “باردة” في الواقع الداخلي المندفع بسرعة نحو انزلاقات انهيارية في مختلف الاتجاهات للتمعن في المقالب المتفجرة الجديدة التي تحاصر لبنان عَل ذلك يشكل رادعاً عن الهرولة الى الهوة القاتلة. نقول ذلك فيما نرى لبنان، على رغم كل أزماته المتصاعدة، لا يزال يمتلك في محيطه الملتهب ميزة يتيمة حالت دون انفجاره منذ اندلاع الحروب على ساحات هذه الدول مما يذكر اللبنانيين في يوميات أزماتهم بأنهم كانوا يوماً السباقين الى تلقي تجارب هذه الأهوال. ولكن هذه التجربة لا تحجب الخشية المتصاعدة من التذويب التدريجي للمناعة الداخلية امام الانهيار يوم تكر حلقاته الاولى.
لقد توغل اللعب بالاستقرار الى حدود بالغة العمق باتت معها الحكومة اشبه برهينة تعيش تحت فوهات المسدسات الكاتمة للتعطيل والشلل الكامل بذرائع تمعن في تجويف الدستور وكل أصوله تجويفاً حاسماً. لن نقف عند ظاهرة إستعصاء عقد جلسة لمجلس الوزراء يجري استعطاف قوى التعطيل لعقدها لمجرد بت أزمة النفايات. كما لن نثرثر في ملابسات التسوية المتهالكة للترقيات العسكرية والربط بينها وبين العودة العقيمة الى الآلية. تصوروا حكومة تهيئ الأقدار لها ان تحقق الرقم القياسي في عمر ممدد قسري تعود عند كل مفصل تصعيدي الى البحث عن آلية كأن لا دستور يحكمها ولا من يحزنون. الطالع علينا راهناً هو توغل رهانات بعضهم على التحولات الأخيرة في سوريا للإجهاز تماماً على الهيكل الدستوري. نسمع تصاعد الكلام عن “المكونات”. في الدستور ثمة أكثريات موصوفة فقط في تحديد القضايا التي تستلزم التصويت متى تعذر التوافق. ليس في المفاهيم الدستورية ما يسمى مكونات جرى اجتراح مفهومها استجراراً لأنماط موروثة من عصر الوصاية السورية التي اتخذت من تركيبة الثلثين والثلث مطية للتحكم بالحكم اللبناني وحكوماته وسلطاته المتعاقبة.
ترانا الآن امام تجويف آخر يتجاوز صناعة عرف الى تفريغ المفهوم الدستوري من آخر حلقاته ومحاصرة الحكومة من داخلها لتحويلها الى حكومة تصريف اعمال. يجري ذلك وسط اغرب الظواهر اللبنانية التي تتواكب معها جولات الحوار مع التقدم الدؤوب في الإجهاز على النظام بآخر حلقاته. ولا ندري ما اذا كانت عراضات السجالات الممعنة في علك الصوف الداخلي العقيم تسمح لـ”كبار اللاعبين” الداخليين برؤية المعنى المخيف لاجتياحات الحروب الدولية والاقليمية لساحات الجوار كسوريا التي غدت البلد الأفظع استباحة مما يهدد لبنان بالذات اكثر من اي وقت سابق، كما دول اخرى تقتحمها التداعيات الدامية مثل تركيا بالامس، ناهيك عن التداعيات التي لا مفر منها على لبنان لاندلاع الانتفاضة الفلسطينية الجديدة في الاراضي المحتلة. أتراهم يدركون فعلاً ماذا يتربص بلبنان؟