لا شماتة في الإرهاب الذي أصاب باريس، على ما فعل الرئيس السوري بشار الأسد بتضامنه المبطن عبر رسالة الى الرئيس الفرنسي، ولا تضامناً استعراضياً كما يفعل المسؤولون اللبنانيون الذين يتسابقون الى موقع الجريمة للإطلالة عبر الشاشات وإطلاق عبارات التنديد والاستنكار الممجوجة. كل هذا إضاعة للوقت، ومحاولة لاستغلال الأحداث، ولو مأسوية، لإطلالات متواضعة فوق الجثث، وقد تراكم لدينا منها الكثير وأصابنا من الارهاب أكثر.
بعد كل عمل إرهابي وجريمة تصيب الأبرياء، سواء قبلوا واقعهم المرير وأطلقوا التحدي، أو انهاروا وكشفوا عجزهم عن المواجهة، تتكرر الاجراءات الأمنية التي لا تلبث ان تنكفئ في ظل انزعاج المواطنين من التضييق الذي يصيبهم، وملل الأمنيين من حالات الطوارئ التي تقيدهم، وتعود الحياة الى حركتها الروتينية، الى أن يقع المجتمع ضحية الارهاب مجدداً. اذاً لا مواجهة مستمرة وناجحة ما لم تبن على خطة علاج جذري تتلاقى فيها الامكانات الأمنية والاستخبارية، فلا تدخل الأجهزة في تنافس إعلامي كما يحصل عندنا، بل تنافس في الخدمة العامة، لأن مواجهة المجرمين ليست إنجازاً في ذاتها لقوى متخصصة، بل عدم النجاح في مهمتها يعتبر تقصيراً فاضحاً يستأهل العقاب.
ما تم الكشف عنه في اليومين الماضيين من أخطار تتهدد لبنان يستوجب الإسراع في عقد تسوية داخلية تحدث عنها الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله تزيد الوضع الداخلي تماسكاً وتوفر التغطية والدعم المناسبين للجيش والقوى الأمنية في قيامهما بمهماتهما على أكمل وجه. وبغض النظر عن مواقف بعض الأفرقاء من نصرالله، فإنه يجب النظر الى الفكرة في ذاتها، وإمكان تحويلها مبادرة جدية، بعدما عرض ان تشمل رئاسة الجمهورية والحكومة ومجلس النواب وقانون الانتخاب. وهذه العناوين تلبي مطالب كل الأفرقاء وتعيد انتظام العمل الى المؤسسات، وربما تساهم في إعادة تكوين السلطة من دون إراقة دماء.
والكلام على تسوية يعني إسقاط كل الشروط المسبقة للانطلاق من أرضية مشتركة، ومن نقطة تلاق. واذا كان الحزب هو المعطل للاستحقاق الأبرز، عبر تمسكه بحصرية ترشيح العماد ميشال عون للرئاسة الاولى، فإن قبوله بالتسوية يعني إسقاط هذا الشرط. في المقابل، فإن الشرط المقابل بعدم المضي في الاستحقاقات الأخرى قبل انسحاب “حزب الله” من سوريا يجب أن يسقط أيضاً، لأن معظم الاستحقاقات السابقة حصلت فيما السلاح إياه يزداد ويتراكم. والنسبية، طالما هي مطلب اتفق عليه سابقاً، فيجب المضي بها ولو خسر المستقبليون بعض مقاعد في بلد لا تحكمه أكثرية نيابية بل توافق سياسي طائفي. ويمكن إقرار القانون والاتفاق على تطبيقه مؤجلاً إذا كان في الأمر طمأنينة للبعض. المهم أن نقبل جميعاً بتسوية نحفظ فيها رؤوس بعضنا البعض قبل أن يدهمنا إرهاب شامل يطيح بكل الرؤوس.