سواء نظر المراقب إلى النصف الفارغ من كوب السياسة اللبنانية، أو إلى النصف الملآن، فإنَّ هذا الأمر لا يغير في الوضع شيئاً، فالجزءان:
الفارغ والملآن، يكملان بعضهما بعضاً، ولا نظرة إلى الأولى من دون الثانية.
***
بهذا المعنى فإنَّ الوضع اللبناني معلَّقٌ في كثير من أموره وملفاته وتطوراته:
البنود الخلافية يجري تدوير زواياها لئلا يؤدي عدم تدويرها إلى المزيد من التفاقم، فإعلان وزراء في الحكومة أنَّهم سيزورون سوريا على رغم قرار الحكومة عدم الموافقة على هذه الزيارة، هو عيب دستوري خطير ويشكّل سابقة من شأنها أن تصدِّع السلطة التنفيذية.
بإمكان رئيس الحكومة أن يقلب الطاولة على رؤوس الجميع ويقدِّم استقالة حكومته، لكنه، وللتذكير مجدداً، أم الصبي، وهو لا يريد للأوضاع أن تتدهور، لكن تهدئة رئيس الحكومة لا تعني أنَّ الأمور تسير على ما يرام، فزيارة سوريا من دون قرار من مجلس الوزراء، هي في المنظار الدستوري والمنظار السياسي خرقٌ للدستور وتمرد عليه، كذلك تمرد على السلطة التنفيذية. في هذه الحالة، كيف يمكن للسلطة التنفيذية أن تطلب من المواطن أن يطبق القانون فيما هي تخالف القانون؟
هذا التطور الخطير سيكون موضع مراقبة من الدول الداعمة للبنان ومن السفارات التي تراقب عن كثب تحسن الوضع اللبناني، والتقارير التي ستُرفع إلى عواصمها لن تكون مفخرة للبنان لجهة احترام الدستور والقوانين المرعية الإجراء.
***
ومن الأمور المعلقة أيضاً، قضية سلسلة الرتب والرواتب التي تضغط على طرفي المجتمع:
رب العمل الذي هو الدولة، والموظف الذي هو القطاع العام، وبينهما الخزينة المتعثرة، الأزمة الآن وصلت إلى قصر بعبدا، فما هي الخيارات التي سيتخذها رئيس الجمهورية؟
القرار المطلوب كبير جداً وهو يتطلب دراية وعناية فائقتين، فأي عدم تبصر، لا سمح الله، سيجعل من لبنان يونان ثانية أو فنزويلا ثانية، لهذا السبب فإنَّ رئيس الجمهورية يقرأ الملف ويستشير خبراء ويستمع إلى المعنيين، والنتيجة التي يريد الخروج بها ستكون هي الممكنة التي تحاول التوفيق بين مطالب الموظفين ووضع الخزينة:
فالبلد منقسم حيال هذا الأمر، الهيئات الإقتصادية تحذّر من المضاعفات لجهة الرسوم والضرائب، وأي إقرار لها وإدخاله حيِّز التنفيذ سيدخل الإقتصاد اللبناني في نفق لا أفق له، إلى درجة أنَّ البعض يجاهر فيصف إقرارها بالكارثة.
ربما لهذه الأسباب مجتمعة تفكّر دوائر قصر بعبدا بأن يتحمَّل الجميع القرار سواء تشريعياً أو تنفيذياً أو حتى دستورياً، فيصار إلى الدعوة إلى طاولة حوار إقتصادية في القصر فتوضَع الحقائق والأرقام أمام الجميع ليتحمَّل الجميع مسؤولياتهم ويتم وضع حد للمزايدات، خصوصاً أنَّ معظم المزايدين يتعاطون مع ملف السلسلة والإيرادات وكأنَّ الإنتخابات النيابية على الأبواب، علماً أنَّ لا شيء في الأفق يشير إلى أنَّ الإنتخابات الفرعية ستجري في موعدها.