«اشتدي أزمة تنفجري فتنفرجي» على ما يبدو من مؤشرات الاستشعار عن قُرب محلياً، وعن بُعد دولياً، عقب هجومي الضاحيتين البيروتية والباريسية.
فما بعد الانفجار الإرهابي المزدوج الذي هزّ برج البراجنة والوجدان الوطني برمته، معطيات ومبادرات متزاحمة تشي بانفراج سياسي من رحم الانفجار الإرهابي بدأت تتكون ملامحه على قاعدة «خارطة الطريق» التي لطالما نادى الرئيس سعد الحريري بضرورة اعتمادها كسكة وطنية لا مفر من عبورها لحل أزمة الجمهورية ابتداءً من رأسها الجامع لمختلف مكونات الجسم الوطني. وبين «خارطة» الحريري ذات الأولوية الرئاسية و«التسوية الشاملة» التي أبدى الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله استعداده لإبرامها ضمن إطار «سلّة» خالية الأولويات وملتزمة سقف الطائف، سرعان ما بادر عرّاب الحوار الرئيس نبيه بري إلى تلقف لحظة الالتقاء وتدوير زواياها الحادة بين أولوية الخارطة وشمولية السلة: صفقة كاملة يبدأ تنفيذها بالرئاسة.
كذلك ما بعد الهجمات الإرهابية الصاعقة على فرنسا، اهتزّ ضمير الغرب الغائب عن تحمل المسؤولية الإنسانية تجاه الأزمة السورية بعدما استشعر أصابع اللهب السوري تلفح وجه أوروبا وتحرق قلب عواصمها الآمنة منذ زمن الحروب العالمية. وكما لم يكن ما بعد «11 أيلول» الأميركي كما قبله، لن يكون ما بعد «13 تشرين» الفرنسي كما قبله، وها هي «تورا بوار» الداعشية في الرقة السورية وقد بدأت تُدكّ دكاً فرنسياً في وقت تتسارع الخطوات والتحضيرات وتتعالى وتيرة المشاورات من فيينا إلى أنطاليا لتعبيد الطريق أمام وصول قطار الحل السوري إلى محطة جنيف التسووية بعد تذليل العقبات الروسية والإيرانية التي لا تزال تعترض خط سيره عربياً ودولياً.
وإذا كان الطرح العربي واضحاً في معالم معادلته القائمة على ثنائية «لا الأسد ولا داعش» في مستقبل سوريا، والطرح الإيراني واضحاً في تشبثه بأقدام نظام الأسد.. تتجه الأنظار نحو فكّ طلاسم الطرح الروسي للحل السوري المنتظر سيما في ضوء تركيز السوخوي على استهداف مواقع المعارضة المعتدلة في الوقت الذي تشنّ فيه موسكو غارات وهمية مستهدفةً «داعش» على طول وعرض المواقع السياسية والمنابر الإعلامية.
لكن مما لا شك فيه أنّ روسيا التي دخلت سوريا لتخرج منها بمغانم شرق أوسطية، لا بد وأنها جادة في التوصل مع العرب والغرب إلى أرضية مشتركة يتم التأسيس عليها لبناء معالم الحل السوري بشكل يراعي المعايير العربية والمصالح الغربية ويسحب البساط «العجمي» من تحت أقدام طهران كما يُستشفّ من الانتقادات الإيرانية المتصاعدة علناً للدور الروسي في سوريا.
وبحسب ما ينقل العاملون على تعقب خطوط المشاورات الحثيثة الجارية على هوامش اجتماعات فيينا نهاية الأسبوع ومجموعة العشرين في أنطاليا أمس، فإنّ الروس بدوا، بخلاف الإيرانيين، غير متمسكين بشرط بقاء الأسد حتى في عزّ تعبيرهم عن رفض مناقشة مصيره ودوره في المرحلة الانتقالية وما بعدها. في حين كان لهجمات باريس الوقع الأكبر في ميزان المشاورات بشكل غير متقاطع مع الآمال الممانعة التي سرعان ما خاب تعويلها على استثمار هذه الهجمات لقلب موازين المواقف والأولويات الدولية بما يتيح إعادة التخندق في خندق واحد مع الغرب بذريعة مكافحة «داعش»، فلا فرنسا بدّلت مواقفها الداعمة للثورة السورية ولا «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية« أفل نجمه، بل على العكس تشدد الموقف الفرنسي أكثر بعد الهجمات الإرهابية مدعوماً بتصلّب أوروبي أكبر هذه المرة تجلى بالموقف الألماني الداعي إلى وجوب إنهاء الأزمة السورية وفق المنظور العربي القائم على ثنائية «لا الأسد ولا داعش» وهو ما عبّرت عنه مصادر «الائتلاف» بالقول: قبل هجمات باريس كان للثورة السورية ثلاثة أشقاء وصديق، الأشقاء هم السعودية وقطر وتركيا، والصديق هي فرنسا، أما بعد هذه الهجمات فأصبح لها ثلاثة أشقاء وصديقان بعد انضمام ألمانيا للموقف الفرنسي المنحاز إلى جانب الشعب السوري.
أما اللاعب الأميركي على حبال الأزمة السورية، فخرق طفيف سُجّل في رمادية «البيت الأبيض» جرى رصده عبر أثير اتصال وزير الخارجية جون كيري مع رئيس الائتلاف السوري خالد خوجة أمس: «اطمئنوا، الحل في طور التبلور وفق مرجعية جنيف التي تطالبون بها.. واتفاقنا مع الروس لن يكون على حسابكم».