يوم أعلن البابا يوحنا بولس الثاني، أنّ لبنان رسالة في وطن، فَهِمَ المؤمنون عندنا هذا الكلام على حجم عقولهم، وبدل أن ينتخبوا رئيساً لدولة الوطن راحوا يقرأون لوطن الرسالة فصولاً من رسائل بولس الرسول الى أهل بيزنطية، فوقعوا في جدل بيزنطي عقيم بين دجاجة الرئاسة وبيضة الرئيس، فتحوّلت الرئاسة الى بيضة الديك وتحولت أصوات الديوك الى صياح على المزابل.
لأننا نعيش في نظام ديمقراطي والرئيس ينتخبه النواب فليس عندنا رئيس، فيما «الممر الإلزامي» الى الرئيس في النظام الديكتاتوري هي أجهزة المخابرات، وهذه المعادلة تضعنا أمام أحد خيارين: إما رئيس ديكتاتورية المخابرات وإما اللاّرئيس، والمسألة فيها نظر.
الشعوب التي تعيش في ظل النظام الديكتاتوري هل أصابها من المآسي الكوارث ما أصاب اللبنانيين في ظل النظام الديمقراطي؟
حتى إنَّ الشعوب العربية التي ثارت على الأنظمة الديكتاتورية، باتت اليوم على اقتناع بأن ديكتاتورية الحكام كانت أسلم للشعوب وأرحم من الثورة على «ديكتاتوريتهم» باسم الديمقراطية، «لأنّ الثورات إن لم يكن لها مضمون فلسفي فقد تتحول الى بركة دم حتى الجنون» على ما يقول الفيلسوف كمال يوسف الحاج.
حين نعلن نحن التزامنا النظام الديمقراطي، فإن «الممر الإلزامي» لرئاسة الجمهورية كما لسائر الرئاسات الدستورية هو الدستور، وحين يُعتبر كل زعيم طائفي ممراً إلزامياً قسرياً الى إحدى الرئاسات الثلاث، فهذا يعني نوعاً من الديكتاتورية المقنَّعة التي يسقط معها النظام الديمقراطي ويسقط الدستور وتصبح الإنتخابات بلا معنى، وإرادة الشعب بلا معنى، ويصبح مجلس النواب خيالاً يُنْصب لثعالب كروم العنب في حلب.
هذا التعبير الذي أطلقه السيد حسن نصرالله بكل ما يتمتع به السيد من حنكة وحكمة وذكاء، هو تعبير مقصود في ظرف سياسي مرصود، وليس نصاً دستورياً وليس جائزة كبرى بل هو جائزة ترضية.
وأيّاً تكن التعابير والتدابير فلا يحق لنا الإعتراض عليها، لأننا، وبكامل قوانا العقلية والجسدية قد اخترنا هذه الطبقة السياسية، هذه الجثث المهترئة الملوَّثة بالفحش والتي بفضلها أصبح كل ما عندنا غارقاً في النفايات تفوح منه رائحة الصفقات، وزعماء العصابات، وورثة اللصوصية والعار.
يقول النبي ويجاريه الكثير من الفلاسفة: «إِن الأحداث الممضّة قد تكون مَكْسَبةً لحظوظ كثيرة»، لعل حظوظنا نحن من الأحداث أن النفايات وبسبب الشغور الرئاسي لم تتراكم في حرم القصر الجمهوري بل ظلّت خارجه، وكل ما نرجوه أيضاً من هذه الحظوظ، أن يكون داخل القصر رئيس بلا لون ولا رائحة، لأن أصحاب الألوان تفوح منهم الروائح.