كان وزير الاتصالات محمد شقير يفتتح معرض «سمارتك» عندما كرّر وجهة نظره من أهمية إلغاء الدقائق المجانية للخطوط الخلوية اللاحقة الدفع (الثابتة) وانحسار تأثيرها على ميسوري الحال، كونهم يشكّلون نحو 96 في المئة من حاملي الخطوط المسبّقة الدفع. حينها خرجت سيدة من بين الحضور لتقول: معالي الوزير، أنا أملك خطًا ثابتًا ولست ميسورة الحال. انتهى الموقف بالمزاح والضحك، وبقول الوزير للسيدة «أنت لك ساعتان مجانيتان».
وبالرغم من أن مجلس الوزراء لم يسر باقتراح وزير الاتصالات، إلا أن الأخير لا يزال مقتنعًا بأن هذه الخطوة، أي إلغاء الدقائق المجانية، إنما تؤمن وفرًا للخزينة الباحثة عن الدولارات في جيوب الفقراء أو من يسميهم شقير متوسطي الدخل. ربما يكون صحيحاً أن دفع سعر بعض الدقائق الإضافية على الفاتورة الشهرية قد لا يُشكّل فارقًا يعتدّ به عند البعض. لكن بالنسبة إلى الآخرين، أي محدودي الدخل ومتوسطي الدخل الذين يملكون خطوطًا ثابتة، فإن هذا المبلغ سيُضاف إلى مبالغ غير مستحقة أصلًا، لكن تجبرهم الحكومة على دفعها، وأبرزها مبلغ العشرين دولارًا بدل الاشتراك الشهري.
لا بأس، هؤلاء لا يشكّلون سوى 3 إلى 4 في المئة، بحسب وزير الاتصالات، أي أنهم من أصل 600 ألف مشترك في الخطوط الخلوية الثابتة، لا يتخطى عددهم الـ 24 ألفًا، مقابل 566 ألف خط تذهب إلى «ميسوري الحال» الذين يستفيدون من تخفيض غير مستحق في الفاتورة.
هذا كلام يصدر عن الوزير المسؤول عن قطاع الاتصالات، ويفترض أن يكون كلامه دقيقًا. لكن بالرغم من أنه لا دراسة فعلية تدحض كلام الوزير أو تؤكده، إلا أن ثمة مؤشرات فعلية تنسف الرواية تماماً. أولها، أن العروض التي قدّمتها الشركتان للأجهزة الأمنية والعسكرية إنما ربطتها بشراء الخطوط الثابتة، أي لا عروض خاصة إلا على هذه الخطوط. وهذه يبلغ عددها التقريبي 50 ألفًا (نحو 17 في المئة)، ويستفيد منها عسكريون من كل الرتب، وأغلبهم من الرتب الدنيا. وبطبيعة الحال، لا يمكن احتساب هؤلاء من بين ميسوري الحال. أما ثاني فئة من حملة الخطوط الثابتة، فهم الذين اشتروا خطوطهم في السنوات الثلاث الأولى لبدء تقديم خدمات الخلوي في لبنان. هؤلاء يقدر عددهم بـ 200 ألف مشترك، وهم ليس حكمًا جميعهم من ميسوري الحال أو الأغنياء. ففي أواسط التسعينيات، كانت شبكة الهاتف الثابت متهالكة ولا تصل إلى كل المناطق، فكان الحل لدى كثيرين باللجوء إلى خدمات الهاتف الخلوي، علمًا بأن هذه الفئة هي التي أحدثت الفارق بين حاملي الخطوط الثابتة والمسبقة الدفع. ففي لبنان، تصل نسبة الخطوط الثابتة بالمقارنة مع إجمالي عدد الخطوط إلى 15 في المئة، بينما المعدل العالمي لا يتخطى الـ 4 في المئة.
وأكثر من ذلك، فإن شركتَي الخلوي تدركان أن المصروف الشهري لكل خط ليس مرتبطاً بطبيعة هذا الخط، إذ ان عددًا كبيرًا من الخطوط المسبقة الدفع تدفع مبلغًا شهريًا يزيد على المبالغ التي تدفع على الخطوط الثابتة، علمًا بأن الوزارة لا تسمح بانتقال الراغبين بالهرب من خوة العشرين دولارًا على الخطوط الثابتة، وغير الآبهين بنعمة الدقائق المجانية، إلى الخطوط المسبقة الدفع، رغم أن الاستبدال يبقى سهلًا ومجانيًا إذا أريد الانتقال بشكل معاكس. وعليه، فإن هؤلاء الراغبين بالانتقال إلى الخطوط المسبقة الدفع ولا يستطيعون، إنما فُرضوا فرضاً على لائحة أصحاب الخطوط الثابتة. كما فرضوا، على ما يبدو، على لائحة شقير لميسوري الحال. وبالتالي فإن إطلاق سراحهم يمكن أن يخفف من «الهدر» الذي يدفع لقاء الدقائق المجانية التي توحي الوزارة بأنها تنهك الخزينة، كما يمكن أن يدرّ مبالغ كبيرة، إذا ما حدد رسم الانتقال بـ 5 دولارات على سبيل المثال، علماً بأن خيارات مماثلة يجب أن تكون مجانية.
بحسب دراسة «تاتش»، فإن 25 في المئة من مشتركي الخطوط الثابتة لا يستعملون الدقائق الستين كاملة، كما أن 22 في المئة من هذه الفئة لا تستخدم أي دقيقة مجانية. وهذه الفئة إما أنها تحمل خطوطًا لا تستعمل أو أنها لا تعرف بوجود هذه الدقائق المجانية، وتفضّل الاعتماد على الاتصالات عبر الإنترنت، هربًا من الكلفة المرتفعة للاتصالات.
كل ذلك لا يهم طالما أن «الهدف نبيل». بعد إثارة مسألة إلغاء الدقائق المجانية، خرج شقير ليبرر فعلته بالإشارة إلى أن الوفر الذي سينتج منها، سيستعمل في مرحلة لاحقة لتوفير الدعم لأصحاب الدخل المحدود والفقراء والطلاب. وهذا تبرير لم يسبق أن ذكره الوزير في طلبه إلى مجلس الوزراء، ولا في أي تصريح سابق. مبرره الوحيد كان حرصه على زيادة واردات الخزينة. لكن مع ذلك، فإن هذا الحرص لم يمنعه من الطلب من شركتَي الخلوي ومن أوجيرو المشاركة والمساهمة في معرض «سمارتك»، بأموال مصدرها المال العام.
بالرغم من ذلك، فإنه لا يمكن التغاضي عما قاله وزير الاتصالات. هو وعد بدعم الخطوط التي يستفيد منها الفقراء ومحدودو الدخل، وهو يمكنه فعل ذلك بسهولة، من دون المساس بواردات الخزينة. كما أن أي خطوة من هذا النوع ستلقى ترحيبًا شعبيًا واسعًا، على ما تؤكده حملات «الدعم» على وسائل التواصل الاجتماعي، ومنها، على سبيل المثال، إعلان «الأوساط اليسارية» تأييدها «لمعركة الرفيق محمد شقير ضد الطبقة الرأسمالية الجديدة صاحبة الأرقام الخلوية الثابتة».