قد يكون التصعيد في وتيرة التدخل الروسي في سوريا هو «أفضل» خبر يمكن أن ينتظره معارضو وأعداء سلطة بشار الأسد وليس العكس!
في «الصدمة» الأولى لذلك الخبر أن النكبة ستزداد تعقيداً، وأن بقايا السلطة الأسدية ستلتقط أنفاسها المتهدّجة، وأن إيران تخففت من حمل كل أعباء إبقاء تلك البقايا واقفة على قدميها، مالياً وتسليحياً وبشرياً! وان ذلك في جملته سيعني المزيد من الأنباء السيئة لجماعات الثورة السورية كما لكل من يدعمها ويردفها بشيء من المدَد والتسليح والتمويل والشعار والشعر والبيان والتعاطف والموقف السياسي.
لكن في الارتدادات المنظورة المتوقعة والمفترضة لتلك الصدمة، هناك شيء آخر مناقض تماماً! بحيث ان الخطوة الروسية المستجدة والتصعيدية قد تكون أكبر من قدرة «المتفرجين» في الغرب عموماً وفي واشنطن خصوصاً على البقاء في مقاعد التفرج، والاستمرار في معاينة تدحرج هذه النكبة من مصيبة الى مصيبة تحت سقف امتلاك القدرة على التحكم الأخير بمسارها ومآلها.
كبّر الروس حَجَرهم الى حد لم يعد أحد في الجانب الآخر قادراً على تجاهله أو ادعاء عدم رؤيته! وذلك في الحسابات الكبرى يعني ضربة تحت الحزام، أو خرقاً وإن كان لا يزال محدوداً، لأحد الخطوط الحمر الفعلية المحيطة بالوضع السوري عموماً. والذي كان يُحدّد سياسة يلتزم بها كل المعنيين الخارجيين وتنصّ على عدم التدخل مباشرة في الحرب الدائرة، خارج سياق ومسار مواجهة الارهاب الداعشي.. هكذا مثلاً أصرّت إيران ولا تزال تصرّ على نفي أي وجود عسكري مباشر لها في سوريا! بل ادعت ان الأمر في جملته لا يتعدى الوجود «الاستشاري» المحدود.. والذي قال عنه مرة الأمين العام لـِ»حزب الله» السيد حسن نصرالله، انه لا يتعدى الخمسين خبيراً! وهكذا أيضاً الحال بالنسبة الى تركيا، التي لم تعدم طريقة أو وسيلة لإبلاغ كل من يسأل ومن لا يسأل، أن موقفها المصرّ على الانتهاء من الحكم الأسدي أكبر من أفعالها، لأن واشنطن، بكل وضوح وبساطة، لا تزال معارضة لأي تحرك ميداني مباشر، من قبل أي قوة أطلسية، وتحت أي شعار كان!
وهذا أيضاً لسان حال الاسرائيليين الذين يكررون على الدوام، لازمة «عدم التدخل» إلا لمواجهة أي «مستجدات« قريبة من خطوط الجولان.. مثلما حصل أكثر من مرّة. أو للتصدّي لما يعتبرونه كسراً لعاديات التسليح الخاصة بـ»حزب الله».. وأيضاً مثلما حصل أكثر من مرة!
ما تفعله موسكو الآن، يبدو من بدايته، ومن الموقف السياسي المرتبط به، خارج تلك السردية المألوفة منذ بدايات النكبة. بحيث ان موسكو تدّعي انها لا تفعل سوى تنفيذ «اتفاقات تسليحية» قديمة، وترسل «خبراء» و»استشاريين» و»تقنيين» لمواكبة التسليح الذي يتم استناداً الى تلك الاتفاقات، لكنها في المقابل تقول بوضوح ان الأسد يجب أن يبقى في مكانه، وان جيشه هو الوحيد المؤهل لمقاتلة «الارهاب الداعشي»، أي انها تناقض الاستراتيجية الغربية، وتجهر بالاستفزاز المباشر لكل دعاة «الحل» وفق آلية «جنيف واحد»، مثلما تشهر العداء لغالبية السوريين والعرب والمسلمين، عندما لا ترى في ما يجري، إلاّ «محاربة للارهاب» وتتماهى في ذلك مع الموقف الأصلي للطغمة الأسدية ولحلفائها الايرانيين الذين لا يجدون في ثورة السوريين سوى «عصابات تكفيرية وارهابية».
لكن لأن ما فعلته وتفعله موسكو أكبر من المعطى السوري، فإن جرس الانذار بدأ يدقّ بصخب في غرف القرار الأطلسية، وعند مستر أوباما وادارته! وذلك أمرٌ يجب أن «يُشكر» عليه الروس أولاً وأساساً! إذ ليس قليلاً على الاطلاق، أن تعود واشنطن لمواكبة تفاصيل النكبة السورية الى حدّ، إصدار بيان عن ست دبابات نشرتها موسكو في أحد المطارات الأسدية! وهي التي لم ترَ على مدى أربعة أعوام ونصف العام ستمئة ألف قتيل وجريح سوري، وملايين المنكوبين من ممارسات الطغمة الأسدية وداعميها!
رُبّ ضارّة نافعة.. شكراً رفيق بوتين!