التغيّرات التي طرأت على السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية تجاه حلفائها، وخصومها في لبنان، بدأت تُثير التساؤلات حول مستقبل زعامة آل الحريري. وجاءت مشاكل الرئيس سعد الحريري المالية لتزيد من الشكوك، وسط مؤشرات على اهتمام سعودي بعدم حصر الزعامة السنية في موقع واحد
لم يعد القلق في تيار المستقبل من التغيرات السعودية حيال الساحة «السنية» خافياً، على الرغم من انشغال الرياض بملفّي سوريا واليمن. والتجاهل السعودي لأزمة الحريري، جزء من التحوّل، يكمّله ما تصفه مصادر مستقبلية بارزة بـ«الشعور داخل الدائرة المحيطة بالحريري برغبة المملكة في ضرب مركزية القرار السني في لبنان». و«الدليل» بحسب هؤلاء، «المعلومات التي تسرّبت منذ أيام عن استقبال مسؤولين كبار جداً في الرياض رئيس حزب الاتحاد الوزير السابق عبد الرحيم مراد، ضمن سياق فتح البيت السعودي للقيادات السنية من المعسكر الآخر». وأكد مقربون من الحريري لرفاقهم في التيار الأنباء، ما خلق مناخاً تشاؤمياً في أوساطهم، وترافق مع ارتفاع منسوب الامتعاض من «السلوك السعودي»، والتساؤل عن ماهية «الخطأ الفادح الذي ارتكبه الحريري، حتى تأخذ المملكة في أحضانها ألدّ أعدائه». وعلى الرغم من الكتمان الذي يُحيط بزيارة مراد للمملكة، لم تنحصر التسريبات بلقائه مسؤولين كباراً، بل أيضاً «اجتماعه برئيس شرطة دبي ضاحي خلفان في الإمارات العربية المتحدة قبل أيام»، كما قال هؤلاء.
الامتعاض من استقبال الرياض لمراد، لا يضاهي ذلك الذي تسبّبه «الخطوط المفتوحة» بين الرئيس نجيب ميقاتي والسعوديين، والحديث داخل التيار عن تلزيم طرابلس للثلاثي ميقاتي ــ النائب محمد الصفدي ـــ والوزير فيصل كرامي، الذي لا يبدو هو الآخر بعيداً عن جو التواصل مع السعودية. ويقول قيادي في «المستقبل» إن هؤلاء السياسيين «يتصرفون بذكاء، لكي ينتقلوا من موقع اللاعب الرديف إلى شركاء أساسيين للرئيس الحريري في إدارة شؤون الطائفة السنية».
حتى اليوم، لا مؤشرات جدية على إمكانية أن تتحوّل الوعود الشفوية التي تعطيها المملكة إلى الحريري بشأن مساعدته مالياً إلى أفعال ملموسة، علماً بأن المقربين منه يؤكّدون أن «الأموال ستأتي ولكن… بالقطّارة». لكن ما يخشاه هؤلاء أن «يكون القرار السعودي بمعاقبة الحريري على عدد من سقطاته، قد انتقل إلى دائرة قصقصة أجنحته وتحجيمه».
يُقرّ المستقبليون بأن «النظرة السعودية إلى وريث رفيق الحريري لم تعُد مريحة. فهو لا يملك القدرة ولا الإدارة الجيدة التي تمكنه من الوقوف في وجه خصومه في لبنان، وتحديداً حزب الله». وقد سمع المقربون من الرجل الكثير من الكلام في الكواليس السعودية عن «الأموال التي أنفقتها المملكة في سبيل معركتها ضد حزب الله في لبنان عبر تيار المستقبل، توزّعت بين جيوب حاشية الحريري، الذين تحوّلوا إلى أصحاب الملايين»!
«الخطوط المفتوحة» بين ميقاتي والسعوديين تزعج أكثر من استقبال مراد
بعد عشرة أعوام، «لا تجِد المملكة مؤسسة سعودية في لبنان، ولا نشاطاً يُمكّن السنّة من تجميع صفوفهم وتوحيدهم». ويقول أحد البارزين في تيار المستقبل إن «السعوديين لا يأخذون الحريري على محمل الجدّ». هم «ينتقدونه في كل مناسبة»، ومرد انتقادهم يعود إلى «تطيير سعد ما تبقى من مؤسسات سنّية، في مقابل ما يبنيه حزب الله من الأموال التي تمنحه إياها إيران من مؤسسات، والتي لا تصل إلى ربع ما دفعته المملكة».
ولا تغيب العلاقة الشخصية للحريري بالأمراء السعوديين، عن بال أولئك القلقين من السلوك السعودي الجديد تجاه زعيمهم، «وخصوصاً علاقة الحريري بالأمير محمد بن نايف».
كل ما سبق، يحمل بالنسبة إلى المستقبليين تفسيراً واحداً، وهو أن «الأجنحة السعودية في الديوان الملكي لم تعُد ترى ضرراً في وجود أكثر من زعيم في الطائفة السنية، كما هو حاصل عند الشيعة والدروز والمسيحيين». وهي في صدد «وقف احتكار الحريري وتوزيع الحصّة اللبنانية على سلال الشخصيات السنية الأخرى».