Site icon IMLebanon

هواجس حدث أمني يأخذ الجميع إلى مكان آخر!

ليست التحذيرات التي تلقّتها الأجهزة اللبنانية من جهات دولية، من اعتداءٍ يرتكبه إرهابيون في لبنان، هي وحدها التي تثير القلق. إنها أيضاً التقديرات التي يجري تداولها في بعض الأوساط السياسية اللبنانية. فالاحتقان السياسي والاجتماعي الخانق ربما يتمّ تنفيسه أمنياً، لأنّ كلفة تنفيسه سياسياً أو اجتماعياً أكبر وأخطر.

في الأيام الأخيرة، بدأ عدد من المتابعين للملف السياسي والاقتصاديالاجتماعي يخشى انحراف المسار في لبنان نحو الأمن مجدَّداً، ما يخطف الأنظار عن مسألتين:

1- المأزق الرئاسي الذي لا يبدو مريحاً لأيّ طرف داخلي، بل بات يشكل أزمة مصيرية للجميع، وقد بدأوا البحث عن سبل للخروج منه قبل فوات الأوان.

2- الأزمات الاقتصادية – الاجتماعية التي تنذر بانفجار لا أحد يستطيع التكهّن بما تقود إليه، على رغم عملية الاستيعاب والإسكات التي تعرَّض لها ما سمِّي «الحراك المدني».

الخلاصة الأخيرة حول مجريات الملف الرئاسي يمكن حصرها بالآتي: الدكتور سمير جعجع لن يستعجل تسمية العماد ميشال عون قبل أن يبادر الجانب المقابل إلى التسمية رسمياً. والتسميات، هنا وهناك، يحاول الجميع التريّث فيها، لأنها تحتاج إلى حسابات دقيقة في ميزان الربح والخسارة.

ففي داخل 8 و14 آذار، يواجه الجميع احتمال خلطٍ للتحالفات يقلبها رأساً على عقب ويخلّ بالتوازنات القائمة حالياً. وقد لا يكون بعضهم مستعداً للمغامرة ودفع ثمن بهذا الحجم من أجل موقع الرئاسة. وما يزيد من صعوبة الملف هو تداخله مع مصالح قوى إقليمية لها وكلاؤها في لبنان. والانقلاب سيضرب هذه المصالح، ولا أحد مستعدٌّ أيضاً لهذه المغامرة وعواقبها.

لكنّ المعلومات التي يتداولها بعض المتابعين تناقض الأجواء الحادّة التي يوحي بها بعض المواقف المعلنة. فثمّة كلام عن أنّ بعض الوسطاء عرض على عون طمأنته بوثيقة مكتوبة وتحمل تواقيع، وتتضمّن بنوداً توفِّر له فرصة الانسحاب من معركة الرئاسة من دون أن يتكبَّد خسائر سياسية.

المتابعون يقولون: لم يعلن عون موافقته على مخرج من هذا النوع، لكنه للمرة الأولى وافق على مبدأ المناقشة في هذه المسألة، بعدما كان يرفض قطعاً أيّ كلام معه حول تسوية. ولذلك، كان الحراك السياسي المستجدّ في الأيام الأخيرة، حول ملف الرئاسة، منصبّاً على محاولة صوغ الوثيقة المكتوبة التي تطمئن عون. ولكنْ لا معلومات عمّا بلغته المفاوضات في هذا الشأن.

وإذا صحّت هذه المعلومات، وإذا وصلت المساعي إلى نتائج ملموسة، فمعنى ذلك أنّ طبخة الملف الرئاسي قد تشهد تحوُّلات مفاجئة، خصوصاً في موازاة الرسائل السعودية إلى جعجع، التي تدعوه إلى عدم تبنّي ترشيح عون، ودعوات الحريري إليه بالتريّث والتروّي.

ولكن، إذا سلك الملف مساراً لا يرضي قوى إقليمية فاعلة، ولا يناسب مصالح قوى محلية معيّنة، فإنّ أوساطاً تخشى أن يلجأ البعض إلى عملية تمويه وإلهاء من خلال تعكير الاستقرار.

وثمّة مخاوف عندئذٍ من دخول العامل الأمني على الخط لإعادة عقارب الساعة إلى ما كانت عليه وعدم إحداث أيّ اختلال في التوازنات القائمة. ولذلك، تستعدُّ الأجهزة الأمنية لاحتمالات وقوع حدث أمني طارئ، سواء جاء في سياق العمليات التي تنفِّذها الجماعات الإرهابية، أو في سياق النزاع الدائر بين المحاور الإقليمية على الساحة اللبنانية.

وفي الغالب، تجري الاستعانة بالأمن في لبنان من أجل ترتيب المسارات السياسية وتحقيق أهداف معيّنة. والنماذج هنا كثيرة. فإذا وقع اليوم حدث أمني، فإنه يأخذ الجميع إلى مكان آخر، وتضيع معه الملفات السياسية والمساعي الهادفة إلى إنهاء الشغور في موقع رئاسة الجمهورية.

ومن شأن أيّ حدث أمني في هذه المرحلة أن ينفِّس الاحتقان الاجتماعي الناجم عن التردي الاقتصادي. وفي التقارير الديبلوماسية أنّ لبنان دخل في مرحلة خطرة اجتماعياً ومذهبياً وطائفياً، ويزيد من مخاطرها التردّي الاقتصادي وتداعياته الاجتماعية.

وفوق ذلك، جاءت الروائح الكريهة في ملف النفايات لتزيد الاحتقان. وفيما تتمّ المساومات والصفقات تحت جنح الظلام، بعيداً من الحلول العلمية التي توصي بها المؤسسات الدولية، يعتقد بعض المعنيين أنّ الشركة الهولندية التي انسحبت جرى تدبير إشراكها وتوريطها بهدف سحبها.

فالمقتضيات القانونية فرضت وجود شركتين. وقد خطَّط بعض النافذين لترسو الصفقة على واحدة، هي البريطانية، بعد انسحاب الهولنديين الغامض. لكنّ نزاع المصالح مستمرّ حول هذه الشركة.

ويعتقد الخبراء في القطاع أنّ صفقة الترحيل لن تكتمل، ليس بسبب المصلحة العامة وعدم قدرة المالية على تحمُّل أكلاف تزيد على نصف المليار دولار، بل بسبب عدم حسم بعض المعنيين خلافاتهم على الحصص.

في ظلّ هذه الأزمات التي لا أفق لحلّها، يبرز الخوف من حدثٍ أمني يشغل الجميع عن القضايا الشائكة، ويُخرجهم من إحراجاتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويأخذهم إلى مكان آخر.

وفي العادة، لا تظهر مقدّمات أمنية للحدث الأمني في لبنان، بل مقدّمات سياسية – طائفية – مذهبية أو اقتصادية – اجتماعية، وهذه المقدّمات موجودة اليوم، فحذارِ الصدمة في أيّ لحظة!