Site icon IMLebanon

هواجس اهتزازٍ اجتماعي وربما مذهبي- طائفي

 

السيناريو الآتي لن يكون مجرّد نزهة. إذا مُسَّ بالرواتب والتعويضات ومعاشات التقاعد فربما يتصاعد الحراك الشعبي الذي بدأت تلوح بوادره من خلال الإضرابات والاعتصامات التي تنفذها شرائح وفئات اجتماعية مختلفة. ولكن، قد يكون واضحاً أين يبدأ هذا الحراك، ولأي هدف، ولا يمكن معرفة كيف ينتهي ومتى؟

الإقبال البارد على صناديق الاقتراع، في الانتخابات الفرعية في طرابلس، قدَّم دليلاً جديداً إلى تنامي حالِ الكفر بالسياسة والقوى السياسية في لبنان. وجاءت الاتهامات التي تُوجِّهها القوى والمؤسسات الدولية المانحة إلى أركان السلطة والطاقم السياسي بالسرقة والفساد، لتترك تأثيرات عميقة لدى الرأي العام.

وعندما يتمّ تعويض هذا الخلل من لقمة الفقراء والمتوسطي الحال، لا من جيوب النافذين وحيتان المال والسلطة، فإنّ النقمة ستزداد ويمكن أن تتحوَّل حراكاً شعبياً شاملاً ضد السلطة والطاقم السياسي، على غرار ذاك الذي جرى في العام 2015 وقُضِيَ عليه قبل حلول موعد الانتخابات النيابية في أيار 2018.
ففي أيار 2016، جاءت نتائج الانتخابات البلدية مقلقة للسياسيين، لأنّها أظهرت نموّاً كبيراً للاتجاهات الرافضة، حتى إنّها كادت تربح المعركة في العاصمة لو امتلكت مقداراً كافياً من التنسيق والثقة بالنفس.

ولذلك، عملت القوى السياسية على خرق هيئات الحراك المدني وساهمت في شرذمتها قبل إجراء انتخابات نيابية. وهي أعدَّت قانون انتخاب يُصَعِّب الخرق على أي فريق جديد. وهكذا وُفِّقت القوى السياسية في عزل الحراك المدني وإحباطه.

كما أنّها نجحت قبيل الانتخابات في تحريك الغرائز الطائفية والمذهبية في الشارع، إلى حدود التصادم بين الجماهير في مناطق حسّاسة. وتبدّل مناخ الشارع من «المدني» إلى الطائفي والمذهبي. وهكذا، تمكّن السياسيون من استعادة زمام المبادرة في الشارع، واستوعبوا الشرائح التي كانت في صدد الخروج من عباءاتهم، أو استفردوها واستضعفوها.

اليوم، هناك نمو جديد للقوى الاعتراضية في الشارع، تحت عناوين اجتماعية. وتتحرّك القوى السياسية لاستيعاب الصدمات المتوقعة من خلال تنفيسها بالإعلان عنها تدريجاً… وتبريرها.

وتعمد هذه القوى إلى الإيحاء أنّ الخطوات المؤلمة المُنتظرة ستشمل أيضاً أركان السلطة في رواتبهم وتعويضاتهم التي تبقى جزءاً ضئيلاً من الأزمة، فيما الجزء الأكبر كامنٌ في التهرُّب الضريبي والصفقات والفساد الإداري وتعطيل القضاء وأجهزة الرقابة والمحاسبة.

وليس خافياً أنّ الاتجاه التغييري يلقى دعم القوى والمؤسسات الدولية الفاعلة التي فقدت الثقة تماماً بالطاقم السياسي التقليدي، وباتت تعتبره عاجزاً عن قيادة عملية الإصلاح. وهذه القوى مستاءة من تواطؤ أركان هذا الطاقم، على اختلاف نزعاتهم السياسية، من أجل صون مصالحهم ومكتسباتهم.

وثمة تشجيع قوي تَلْقاه قوى التغيير المدنية في لبنان من جهات دولية بارزة، لكونها الأقدر على مواكبة متطلبات العولمة. إلاّ أنّ هذا الطاقم يمارس سياسة استيعابية لقطع الطريق على أي تحرّك غير مرغوب فيه للحراك المدني، قد يُتَرجَم لاحقاً في صناديق الاقتراع.

إذاً، وبعد تحضيرات متأنية و»تخديرات» شعبية، تستعدّ قوى السلطة للإعلان عن إجراءاتها «المؤلمة»، وهي تعرف أنّ كل هذا «التأنّي» و»التخدير» قد لا يكون كفيلاً بمنع تصاعد الاحتجاجات في الشارع، خصوصاً إذا كان القائمون بها يحظون بالتشجيع ويشعرون بأنّ أمامهم فرصة جديدة لإثبات حضورهم في شكل أكبر.

ومن هنا تنطلق الهواجس الحقيقية. فما هو السبيل الذي يمكن أن يتبعه الطاقم السياسي لحماية نفسه من استحقاق التغيير؟

ثمة مَن يعتقد أنّ أي انهيار اقتصادي – مالي في هذه المرحلة ستكون تداعياته كبيرة، وسيتبعه انهيار سياسي واجتماعي أيضاً. وفي بلدان العالم، عندما تقع كوارث مالية، تسقط الحكومات عادةً، كما يمكن أن تُجرى انتخابات نيابية مبكرة لتغيير الطبقة الممسكة بالسلطة.

ولذلك، ستحاول السلطة القائمة في لبنان أن تمنع الانهيار لئلا تسقط هي أيضاً. ولكن، لمجرد اتخاذ الإجراءات المؤلمة وانطلاق التحرّك الشعبي الرافض، سيكون الطاقم نفسه أمام استحقاق التغيير بعد تحميله المسؤولية عن الفشل.

في هذه الحال، قد تستخدم السلطة أسلوبها المعتاد لشقّ صفوف الحراك المدني وإحباطه. كيف؟

الوسائل ليست كثيرة أمامها. لكن هناك مَن لا يستبعد إعادة لعب الورقة المذهبية الطائفية المعتادة، والتي أظهرت نجاحها قبيل الانتخابات النيابية.
ولذلك، هناك هواجس اهتزاز طائفي – مذهبي تكمن في صلب الاهتزاز الاجتماعي الآتي… وعلى الجميع أن يتذكّر.