Site icon IMLebanon

قلق في «أوجيرو»: احتكار «الفايبر أوبتك» يهدّد وظائفنا

تسيطر حالة من القلق داخل هيئة «أوجيرو». العاملون فيها، ويتخطّى عددهم الـ 3 آلاف، خائفون من تشريدهم كنتيجة مباشرة للقرار 365/1 الصادر عن وزير الاتصالات جمال الجرّاح. فيما إدارة الهيئة راضخة للقوى التي أتت بها ولا تريد أي تحرك مضاد لقرار منح «احتكار» الفايبر أوبتك لشركة خاصة

أعلن المجلس التنفيذي لنقابة موظّفي وعمّال المواصلات السلكيّة واللاسلكيّة الدوليّة في لبنان، في بيانه الصادر في 27 أيار الحالي، رفض النقابة منح شركة «غلوبال داتا سيرفيسز» حق مدّ شبكة ألياف بصريّة خاصّة بها في المسالك الهاتفيّة المحليّة، وحدد يوم الأربعاء المقبل موعداً لاعتصام جميع العاملين في كلّ مراكز «أوجيرو» في كلّ المناطق اللبنانيّة، بالتزامن مع مؤتمر صحافي توضّح فيه النقابة موقفها وخطواتها اللاحقة.

إلا أن بعض العاملين في “أوجيرو” يشككون بقدرة النقابة حالياً على إدارة تحرّك واسع في “أوجيرو”، ولا سيما أن هذه النقابة لا تزال محسوبة على رئيس الهيئة السابق، عبد المنعم يوسف، وهو الذي اتهمه وزير الاتصالات بالوقوف خلف الحملة الاعتراضية على قراره. يتوقع هؤلاء العاملون أن تنجح الهيئة في تعطيل التحرك وإعادة ضبط الوضع والسيطرة على المعترضين، وهو ما مهّدت له بالبيان الصادر عن مكتبها الإعلامي، الذي استنكر ما سمّاه «الحملة المُغرضة التي تتعرّض لها وزارة الاتصالات والهيئة بهدف إبراز مواقف لا تمّت إلى الحقيقة لدقّ إسفين التباين بينهما»، وأعلن «التأييد التامّ للسياسة العامّة والاستراتيجيّة التي وضعها وزير الاتصالات، والتي من شأنها أن تنقل قطاع الاتصالات في لبنان إلى مصاف الدول المتقدّمة»، بحسب تعبيره.

تصعيد حتى إلغاء القرار

يرفض رئيس النقابة، جورج إسطفان، في اتصال مع «الأخبار»، تحديد مطلب النقابة المباشر قبل المؤتمر الصحافي، مكتفياً بالاشارة الى اتصالات جرت مع رئيس الهيئة عماد كريدية واتصالات ستجرى مع وزير الاتصالات بهدف “إيجاد مخرج ينصف العاملين في الهيئة”. توضح مصادر في النقابة أن «قرار وزير الاتصالات هو بداية جلوسنا في منازلنا وحلول القطاع الخاصّ مكاننا»، مشيرة إلى «اجتماع عقد منذ أيام مع المدير العام للهيئة عماد كريديّة، ولم يتمّ التوصل خلاله إلى ما يمكن البناء عليه، بانتظار اجتماع آخر سيُعقد مع وزير الاتصالات، كون القرار المُخالف للدستور والقوانين والمراسيم التي استند إليها، يجرّد الهيئة من وظيفتها والوزارة من صلاحياتها ويهدّد بتشريد آلاف المهندسين والموظفين والعمال، فضلاً عن انعكاساته على قطاع الاتصالات والمستهلكين والخزينة العامّة». ترى المصادر النقابية أن «ما يحصل اليوم هو أننا نحصد نتيجة ما زرعه عبد المنعم يوسف من عرقلة لمسار تطوّر الاتصالات، فهو دمّر القطاع تمهيداً لبيعه.

ببساطة، أدى المطلوب منه تنفيذاً للسياسة التي رسمها الحريري الأب في التسعينيات. أما الخلاف الحاصل اليوم بين السنيورة (ومعه يوسف) والحريري (ومعه كريديّة والجرّاح) فهو على هوية المستفيد من القطاع، الذي يدرّ مليارات الدولارات سنوياً. فالفريق الأوّل كان يمنّ النفس بتحويل «أوجيرو» إلى نواة لشركة «ليبان تيليكوم» المُناطة بحسب القانون 431 بامتلاك الشبكة الثابتة وإدارتها واستثمارها، على أن يكون يوسف على رأسها، فيما الفريق الثاني يريد تنفيذ الخصخصة خلافاً للقانون عبر شركة «غلوبال داتا سيرفيسز»، شقيقة «سيبيريا» المملوكة من الحريري، والتي فيها حصص لمحسوبين على رئيس الجمهورية، ويسعى إلى تقديم القطاع كاملاً لها ومجاناً، أي إهدائها منفعة عامّة لتحويلها إلى منفعة خاصّة من دون أي سقف زمني».

تبريرات «أوجيرو»: القرار لتحسين الأداء

في البيان الوزاري لحكومة سعد الحريري الأولى، تم الإقرار بأن وزارة الاتصالات و«أوجيرو» تعملان كجسم واحد، وأن الثانية هي الذراع التنفيذية للوزارة. في حكومته الثانية، يبدو أن الأمور تتجه نحو كسر هذه الذراع التنفيذيّة تمهيداً لإلغاء دور وزارة الاتصالات، وتطبيق الخصخصة المشرّعة في القانون 431 إلى مرحلة التنفيذ. وهو ما لا ينفيه مصدر مسؤول في هيئة «أوجيرو»، معتبراً أن «التحرّكات التي يقوم بها العمّال هي ذات طابع سياسي من دون أي مطالب واضحة، ويقف وراءها عبد المنعم يوسف. هم لا يتعاطون مع المسألة بطريقة موضوعيّة لفكّ القيود وتحرير القطاع وتطبيق القانون 431»، ويتابع المصدر نفسه «لا يمكن للسياسة أن تقف حائلاً أمام تطوير القطاع، وخصوصاً أن هيئة «أوجيرو» لم تقم بدورها طوال السنوات الماضية، سواء لناحية الصيانة أو حتى تطوير الإنترنت. وهو واقع يلمسه المستهلك مباشرة. هذه حملة موجّهة ضد وزير الاتصالات، من دون وجود أي مخاوف جدّية على مستقبل العمّال المهني تبرّر هذه الحملة، وخصوصاً أن أحد أهداف هذا المشروع تحفيز المنافسة بين الشركات وأوجيرو، التي ستكون ملزمة بتحسين أدائها على الصعد التسويقيّة والبيعيّة والفنيّة والتنفيذيّة. إنّه تحدٍ لنا، لذلك من غير المسموح أن يدخلنا أي تحرّك في صراع مع وزير الوصاية».

مسار الخصخصة

يحكم التخلّف شبكات الاتصالات السلكيّة الثابتة والخلوية. وهذه السياسة حكمت القطاع منذ عام 1994، عندما قرّرت الدولة إعادة الاستثمار في الشبكة الثابتة بعد الحرب اللبنانيّة، فأعادت بناءها من دون أن تراعي التطور التكنولوجي النامي في تلك الفترة، مقابل تسويق الخلوي باعتباره نموذجاً للتطوّر، فاحتكرت شبكتاه شركتين من القطاع الخاصّ، وهو ما انعكس تردياً في نوعيّة الخدمة وارتفاعاً في الأسعار. حينها، برز مشروع السيطرة على الاتصالات ذات الأرباح الطائلة واشتدّ الصراع عليه، فألغيت عقود شركتي الخلوي في عام 2002 قبل ثلاث سنوات من انتهاء العقود، ودفعت تعويضات للشركتين بمئات ملايين الدولارات، وصدر في عام 2002 قانون الاتصالات 431 الذي نصّ على الخصخصة، تماشياً مع المصالح المتصارعة والشهية المفتوحة على قطاع الاتصالات «الربيح»، وذلك عبر إنشاء هيئة منظّمة مستقلة عن الوزارة، وإنشاء شركة «ليبان تيليكوم» لتحل مكان وزارة الاتصالات و”أوجيرو” وتمتلك الشبكة، ويكون لديها الحقّ الحصري في إدارتها وتشغيلها، مع إمكانيّة بيعها جزئياً بعد سنتين بنسبة 40% لشريك استراتيجي، وخصخصتها بالكامل لاحقاً. هذا المشروع تعرقل نتيجة الخلاف على الصفقة وتوزيع الحصص، ولاعتبارات أمنيّة برزت بعد اغتيال رفيق الحريري، والمخاوف التي تولّدت عن احتمالات اختراق إسرائيل للاتصالات وقضية تسليم داتا الاتصالات للمحكمة الدولية والأجهزة الأمنية. وفي الوقت نفسه، كان عجز الخزينة العامة يتنامى باطراد ومعه مديونيّة الدولة، فتحوّل هذا القطاع إلى مصدر جباية للضرائب والرسوم.

ما يحصل اليوم، هو استكمال للخطة المرسومة منذ التسعينيات. وترجم ذلك، خلال العقد السابق، بتنامي سلطة «أوجيرو» وهي متعهّد يعمل لحساب وزارة الاتصالات، وتحوّلها إلى رديف ومنافس لها في التحكم بشبكة الاتصالات الثابتة والإنترنت. أمّا اتباعها سياسة العرقلة في عهد عبد المنعم يوسف لكل نهج تطويريّ للاتصالات، فلم يكن إلّا استكمالاً لمسار تسليم الشبكة الثابتة للقطاع الخاص، والترويج لفشل الدولة في الإدارة، تماماً كما حصل مع شبكة الخلوي. فعلى الرغم من إطلاق مشروع الـ 3G على الشبكة الخلويّة والمرحلة الأولى من الألياف البصريّة على الشبكة الثابتة التي وصلت السنترالات بعضها ببعض، في عهد الوزير شربل نحّاس عام 2010، إلّا أن المشروع توقف عند هذه المرحلة. ودخول «غلوبال داتا سيرفيسز» هو الترجمة الفعليّة لأهداف القانون 431 ولكن مع تعديل جوهري فيه، مخالف للقانون نفسه، وهو القضاء على «ليبان تيليكوم» قبل إنشائها، وبدلاً من أن تنتقل «أوجيرو» لتصبح نواة لها كما في المخطّط الأوّل، تحوّل المشروع إلى القضاء على «أوجيرو» لمصلحة الشركة التي فازت بالاحتكار.

مواجهة الصفقة – الفضيحة!

عملياً، إن احتكار شركة خاصّة واحدة للألياف البصريّة سيمكّنها من اكتساح السوق بكامله، وتقليص الطلب على خدمات الخلوي والشبكة الثابتة، لينطلق عصر البرودباند والبنية الأساسيّة لتكنولوجيا الاتصالات المتطوّرة وهو في قبضة شركة واحدة. كلّ ذلك يحصل من دون أي اعتراض جديّ في لجنة الاتصالات النيابيّة، ومن دون اكتراث مجلس الوزراء أساساً على الرغم من وضوح المخالفات الدستوريّة والقانونيّة في القرار، بما فيها مخالفته للمراسيم التي يستند إليها.

هناك سبب يترّدد لعدم الاعتراض وترك القرار يأخذ طريقه إلى التنفيذ، وهو أن «صفقة ما تمّت قبل الانتخابات الرئاسيّة، وكلّ الحديث الذي سبق هذه الانتخابات عن إعادة توزيع المكاسب التي تشمل الاتصالات، والكهرباء، والنفط والغاز، وحاكمية مصرف لبنان، ها هي تنفّذ تباعاً، وخصوصاً أن الحريري ليس المستفيد الوحيد من قرار الجرّاح الذي منح الاحتكار لشركة «غلوبال داتا سيرفيسز”، فهناك مالكون آخرون في هذه الشركة وهم من المحسوبين على رئيس الجمهوريّة.

تؤكّد مصادر في لجنة الاتصالات النيابيّة أن «الموضوع لم ينتهِ بعد، بل هو موضع متابعة، بانتظار أن يقدم وزير الاتصالات تقريراً مالياً مفصّلاً لنتائج أعمال الوزارة وأوجيرو، والنتائج المتوقّعة في حال استمراره على حاله، والنتائج المتوقّعة في حال تنفيذ القرار 365». في المقابل، تشير مصادر في نقابة عمّال «أوجيرو» إلى «توافق بين كلّ الأحزاب على التحرّك، باستثناء تيار المستقبل الذي يؤيّد القرار وقد حيّد نفسه عن المواجهة، بانتظار ما سيؤول إليه تحرّك الأربعاء والجولات التي سنقوم بها على المرجعيّات السياسيّة».