IMLebanon

هواجس إيران.. التركية!

كانت لافتة جداً الإشارات التي خرجت من إيران إزاء محاولة الانقلاب التركية.. والتي اشتملت على مواقف مبدئية وعملية من نوع أن يقول الرئيس حسن روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف أن «زمن الانقلابات العسكرية» ولّى، وأن محاولة كسر صناديق الاقتراع بجنازير الدبابات فاشلة حتما.. ثم إبداء كل ذلك الاهتمام بـ»الاستقرار والديموقراطية وسلامة الشعب التركي» واعتبارها من «الأولويات القصوى» بالنسبة إلى إيران.

وذلك أمر يمكن أن يُؤخذ جدياً، أي أن يكون حقيقياً وليس مصطنعاً. وأن يُعبّر في مكان ما عن مكوّنات قلق يعسّ في دواخل القيادة الإيرانية المنتخبة، حيث يمكن الافتراض بأن قصة «الكيان الموازي» أو «الدولة العميقة» واردة القراءة في طهران مثلما هي واردة في أنقرة!

جماعة الداعية فتح الله غولن هي العنوان الراهن لذلك الكيان الموازي. لكن المعروف والمألوف، أن التعبير في ذاته كان يدلّ على مؤسسة الجيش دون سواها باعتبارها المؤتمنة على الإرث الكمالي والنظام العلماني للجمهورية، وباعتبار أن خبريات تداول السلطة عبر صناديق الاقتراع لم تكن مستساغة عندها لا كثيراً ولا قليلاً، وتم التعبير عن ذلك الضنى من خلال أربعة انقلابات مباشرة امتدت من مطلع الستينات حتى منتصف التسعينات من القرن الماضي.

والمعروف المألوف في المقلب الآخر من المشهد أن «الديموقراطية» الإيرانية بدورها ليست بخير. وأن صوت «المرشد الأعلى» يوازي أصوات كل الذين يذهبون إلى صناديق الاقتراع. وأن صلاحياته التنفيذية والتشريعية والافتائية لا تُجادل لا في برلمان ولا في مجلس وزراء ولا في الجيش! ولا في أصغر أو أكبر مؤسسة شرعية..

والسطوة التي يملكها «المرشد» ليست متأتية فقط من إمساكه بكل السلطات (في أول المطاف وآخره) وإنما أيضاً من رعايته المباشرة لـ»الكيان الموازي» المتمثل بـ»الحرس الثوري» واعتباره اسماً على مسمّى، بكل المقاييس! وهذه المؤسسة، مثلما هو معروف ومُعلن، لا تستسيغ أيضاً، لا من قريب ولا من بعيد، خبريات تداول السلطة عبر صناديق الاقتراع، ولا طوشة التنظيرات والحملات المرافقة لها، والتي تعطي في الإجمال «إشارات» سيئة تدل على تراخي التعبئة الثورية! وتأخذ الناس إلى ميوعة متأتية من تصديقها أن صوتها يُقرر!

ولا بأس من الإشارة إلى أن الرئيس محمد خاتمي جاء عبر صناديق الاقتراع لكنه كان رئيساً في الصورة فقط! وأن الرئيس روحاني جاء أيضاً عبر صناديق الاقتراع لكنه بدا أكثر طموحاً لممارسة دوره و»سلطاته» مستفيداً من لحظة حرجة في تاريخ إيران جعلت «المرشد» يعطيه أدواراً حُجبت عن خاتمي، خصوصاً في قصة المفاوضات النووية والسعي إلى رفع العقوبات القارصة والقاسية عن الجمهورية!

وليس خافياً أن السؤال عن المستقبل الإيراني كان ولا يزال مطروحاً لجهة «الموقف» الأخير لـ»الحرس الثوري» (والمحافظين في الإجمال) من التوجه الذي يستبطنه ويظهره «الاتفاق» مع الغربيين، للانعتاق من المرحلة الماضية، والانفتاح على العالم وفق شروط هذا العالم! وأول المعنيين بهذا السؤال ليس سوى الرئيس روحاني والطقم السياسي (والديني والتجاري والاقتصادي والثقافي) الذي ينتمي إليه..

ولذلك يصحّ النظر إلى موقف الثنائي روحاني ظريف من المحاولة الانقلابية التركية الفاشلة، بجديّة ورصانة! وخصوصاً لجهة تفسير الكلام المبدئي عن أن «زمن الانقلابات العسكرية ولّى» على أنه موجّه إلى الداخل الإيراني أكثر من تقصّده الخارج التركي!

.. وإلا ما معنى ان يبدي ذلك الثنائي الإيراني (الرسمي!) كل ذلك القلق الفعلي من محاولة الانقلاب التركية في حين أن أدوات إيران الأخرى في نواحينا أي «حزب الله» وتوابعه احتفلت طوال الليل وبصخب (وبلاهة مشهودة!) بالانقلاب والانقلابيين، ورفضت تصديق مرارة الحنظل الذي شربته مع ساعات الفجر الأولى؟!