عندما تخلى المسيحيون عن أن يكونوا «أم الصبي»
أسئلة ـ هواجس حول كلفة اللجوء إلى الشارع
تنشغل الاوساط السياسية بتهديد العماد ميشال عون باللجوء الى الشارع. واذا كانت مواقف القوى والاحزاب السياسية معروفة ومعلنة، والمضمر فيها مقروءا ومستشفاً، إلا ان شياطين كثيرة تقيم في تفاصيل الاسئلة والهواجس.
فـ «حقوق المسيحيين» كلمة فضفاضة تحتمل الاجتهاد. ولا يستقيم كلام عن هدر هذه الحقوق إلا بعبور مطهر نكء الجراح. هناك، لا يمكن لأي فريق سياسي، ان يغسل يديه من دماء هذه الحقوق المهدورة، بمن فيهم العماد عون نفسه.
تنهال الاسئلة من أوساط ومصادر مختلفة، معظمها معارض للعماد عون. لكنها أسئلة مشروعة، في بلد مشرّع على كل الأخطار والاحتمالات. ومن هنا تكر التساؤلات: من يمكنه أن يضبط الشارع بعد شحنه بهذا الكم من «المظلومية» والاستهداف؟ من يضبط الشوارع المقابلة التي بدورها تعيش «مظلوميتها» من وجهة نظرها وعلى طريقتها؟ متى نجح الشارع في لبنان في تغليب فريق داخلي على آخر؟
هل يمكن فصل الشخصي عن العام في قضية «حقوق المسيحيين»؟ ألا تستعاد هذه الحقوق إلا اذا تم انتخاب العماد عون رئيسا للجمهورية وصهره قائدا للجيش وصهره الآخر وزيرا أبديا فوق العادة؟ ألم يعد في التيار أكفياء؟ ولا في المؤسسة العسكرية ضباط يؤتمن لهم؟
لا ينكر عاقل، ولا أي حريص على البلد، حق العماد عون، في ان يكون شريكا مؤثرا في السلطة، من مجلس الوزراء الى رئاسة الجمهورية. لكن الشراكة هي بتعريفها مناقضة للاستئثار. بالتالي تتواصل الأسئلة: كيف يفترض بخصوم العماد عون السياسيين ان يقبلوا ان يمارس عليهم ما يرفضه على نفسه؟ بتعبير أوضح: لماذا يريد ان يفرض شروطه وأسماءه من دون نقاش أو توافق؟ وهل هكذا تكون الشراكة والمشاركة والتوازن في الحقوق؟ فإما الفرض أو الرفض! ماذا عن حقوق سائر المسيحيين؟ هل يختصرهم عون جميعا؟ وهل يمثلهم جميعا؟
تنتقل الاسئلة – الهواجس الى مستوى آخر. يسأل سياسيون مطلعون «هل تنسق الاجهزة الامنية بين بعضها بعضا؟ وهل ترفد السياسيين بما تقاطع لديها من معلومات تتخوف من جهات معروفة – مجهولة تتحين الفرص لإحداث بلبلة أمنية؟ ألا يعتبر أي حشد شعبي، في هذه الظروف، أرضا خصبة للراغبين في العبث بالامن؟ هل فقد «التيار الوطني الحر» الأفكار الخلاقة والمتميّزة التي كان يعارض من خلالها في زمن الوصاية السورية وكان وقعها أفعل وحجمها يتضاعف ككرة الثلج؟ ألم يبق سوى الشارع، وهو ما يفترض ان يكون آخر دواء؟
أما مستوى الاسئلة الثالث فيتمحور حول الحلفاء وشراكتهم. فإذا تم استثناء حليف الحليف، أي الرئيس نبيه بري، الذي له رأي صريح ومعلن في تحريك الشارع ومواقف عون، فإن موقف «حزب الله» المحرج يفتح الشهية على الأسئلة:
الى أي مدى قد يذهب الحزب في دعم عون نظريا والإبقاء على مسافة عملية معه؟ هل يمكن ان يطلب من أعداد محددة من مناصريه ملاقاة الشارع العوني والنزول على الارض؟ ألا يستفز ذلك أكثر الشارع السني المشدود أصلا والمتحسس؟
وهل يرى، في السياسة، ان التوقيت مناسب لتوجيه السهام الى قائد الجيش جان قهوجي في هذه المرحلة، حيث يحمي الجيش ظهر المقاومة على الحدود؟ خصوصا ان شهرين يفصلاننا عن ايلول، موعد انتهاء خدمة قائد الجيش؟ ماذا عن «المردة» و «الطاشناق»؟ أليسوا ايضا مسيحيين حريصين على الحقوق؟ لماذا يستهيبون مغامرة الشارع؟
قيل الكثير عن خوض العماد عون آخر معاركه السياسية. وهو نفسه يفتخر بأنه قد ينسحق لكنه لا ينسحب. لكن هذه المرة، يقول سياسي وسطي، «لن يخسر وحده. سيخسر البلد معه إذا واصل النفخ في البوق الطائفي. حينها سينكفئ الشباب المسيحي مجددا ويعودون الى زمن الهجرة والإحباط، خصوصا في منطقة تدفع كل شبابها الى الهجرة. وستنجح الحركات المتطرفة في الوسط السني من توسيع نفوذها، على قاعدة ان كل خطاب طائفي يستدرج خطابا مماثلا، وبعدها سنعيش حفلة جنون مما سبق واختبرناه».
ويبقى سؤال أخير، طرحه رجل دين مسيحي في حلقة ضيقة: «هل حقا يريد المسيحيون ان يتخلوا عن هذا البلد؟ كيف ما عادوا أم الصبي وهان عليهم تعريضه للخطر، وحتى تقسيمه وتقطيعه؟ هل حقا هناك من يعلن من بينهم انه مستعد لفرطه؟ لماذا؟ ولأجل أي قضية كبرى لا يمكن ان تُحل في السياسة والحوار والتوافق وممارسة فنون السياسة التي يفترض ان لهم خبرة وباع فيها؟».