منذ اليوم الاول لانتخاب الرئيس ميشال عون رئيسا للجمهورية وليس في الساحة سوى حديث واحد يطغى على سائر الاحاديث من دون ان يلغيها الا انه يتقدم عليها كثيرا.
انه حديث قانون الانتخابات النيابية الذي لم يبق اي طرف ولم يبلّ يده فيه! عفوا بل ولم يدل بدلوه بين الدلاء في بئره: من يعرف (وهو قليل) ومن لا يعرف (وهو كثير). ولقد نصّب العديدون انفسهم خبراء قانونيين ودستوريين، وراحوا يملأون المنابر الاعلامية على خلافها ليتحفونا بآرائهم الخنفشارية، السخيفة، التافهة… بعضهم تختصر ثقافته في الموضوع بكلمة سمعها من هنا او من هناك. وبعضهم الاخر قرأ «رأيا»ر (اجل …. رأي؟!) لهذا او لذاك من الذين هم اصلا اقتبسوا «الرأي» ممن استند الى فكرة سمعها هنا او الى خاطرة قرأها هناك.
وهؤلاء ليسوا موضوعنا ولا مدار هذه العجالة. إنّما الموضوع الاساس هو حفلة الكذب والتكاذب التي تسود الساحة بين كلام شبه عام على قانون جديد للانتخاب، وافعال بعيدة سنوات ضوئية عن السعي الجاد الى هذا القانون.
فأكثرية القوم لا تريد القانون الجديد.
هذه حقيقة محسومة. يمكن قراءتها اصلا في شفتيّ المتكلمّ فإذا بهما تنبضان نفاقا وتنطقان كذبا.
وحده وليد جنبلاط (ولا نؤيده) يعبر عن حقيقة طواياه في هذه النقطة، فهو يعرف ان قانون النسبية سيقضي على دوره الذي كان اكبر بكثير من قدراته السياسية.… ولكنه لا يقضي على دور الطائفة الدرزية الكريمة التي هي في وجدان التكوين اللبناني الحديث. والبعض يرى العكس … فالسؤال: هل ان بني معروف الكرام تصلهم حقوقهم لانّ ابا تيمور يتحّكم بالمقدرات؟! وهل ان مناطقهم بألف خير وعافية اقتصاديا وسياحيا وتجاريا وطبابة وتعليما وسائر الخدمات والمستلزمات لانّ وليد بك يتمتع بزعامة شبه مطلقة؟! وهل يضيرهم ان تنال القيادات الاخرى في الشوف وعاليه والبقاع الغربي ووادي التيم بعضا من حقها ممّا يوازي تمثيلها الشعبي الفعلي؟
ونعود على بدء لنقول انه صحيح مئة في المئة ما قاله الرئيس نبيه بري ذات زمن قريب جدا (قبل اسابيع قليلة) من أنّ البعض يتحدث على قانون جديد مجرّد كلام (لسانهم على الستين وقلبهم معه).
ولعلّ المطلوب في هذه المرحلة التوقف عند التطمينات التي طلع بها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في الكلمات القليلة الماضية معلنا التزامين متلازمين: القانون الجديد وطمأنة الجميع.
ولقد يكون اكثر من ضروري تفهم موقف رئيس الجمهورية حول قانون الانتخاب وحتمية القانون الجديد. وهو الموقف الذي التزم به في خطاب القسم وفي سائر ما تلاه من تصريحات وبيانات ومواقف، وايضا في البيان الوزاري للحكومة الحريرية الاولى في هذا العهد…
بمعنى ان هذا الالتزام من قبل رئيس الجمهورية بات ايضا تعهدا من قبل رئيس الحكومة سعد الحريري.
وبالتالي فإنّ اقل ما يمكن مواجهة كلام رئيس الجمهورية به هو التنبه الى ان فخامته، ومعه دولة رئيس الحكومة، لم يعد ممكنا لهما اي تراجع الاّ على حساب الصدقية وثقة الناس ونظـرة العالم إليهما والى لبنان.