كارثة الحرائق ضربت لبنان، جريمة أن نلصقها بغضب الطبيعة، الطبيعة لم تعتدِ على لبنان، من اعتدى على لبنان، وعلى الطبيعة هم المسؤولون الذين حكموا لبنان منذ عقود، وقسم كبير من الشعب اللبناني تواطأ مع المسؤولين في ارتكاب جريمة الحرائق وجرائم الفيضانات ونشر الامراض المميتة.
الحكومات والرؤساء الذين تعاقبوا على الحكم، وسمحوا بنشر مكبّات الموت العشوائية في طول البلاد وعرضها هم الذين اعتدوا عليه، بمثل ما اعتدوا عليه عندما «غضّوا طرف» الطائفية والمذهبية والمصالح الشخصية والحزبية، عندما تركوا جماعاتهم يبنون في الانهار والسواقي ويرمون نفاياتهم فيها وفي أي قطعة ارض متاحة.
وهم اعتدوا عليه وعلى الطبيعة، عندما تواطأوا مع حيتان المرامل والكسارات الذين دمّروا كل جمال اوجده الخالق وحمته الطبيعة.
قد تكون يد غريبة مجرمة ساعدت الحكومات في تخريب لبنان، ولكن الدولة التي تركت ما تبقى من مساحة لبنان الخضراء، بعيدة عن اي حماية، تتحمل المسؤولية الأساس في تسييب الغابات، بعدما كانت حكومات ما بعد الاستقلال حريصة على حمايتها، وما زلت اذكر من طفولتي ليس مأمور الاحراج وحسب الذي كان مسؤولا عن الغابات في كل لبنان، بل ايضاً الناطور الذي كانت تكلفه البلدية في حال وجودها او المختار، بمراقبة دائمة، وما زلت اذكر الى اليوم عصاه و«برنيطته» وصفّارته، وهو يتنقل من مكان الى اخر، ينبّه ويمنع وينقل الى مأمور الاحراج اسماء المعتدين على البيئة لمعاقبتهم في المحاكم.
بدلاً من الآلاف الذين تم تعيينهم سياسياً وطائفياً وخلافاً للقانون، لماذا عرقلة تعيين مأموري الاحراج الذين نجحوا بامتحانات مجلس الخدمة المدنية؟
لماذا لا يفرض على كل بلدية تعيين ناطور أو اكثر، ومعاشه لن يكسر خزينة الدولة، بل الصفقات والسمسرات والهدر والفساد هي التي كسرت الخزينة، وتأتي الحكومة لتسدّ العجز من عرق المواطن ودمه وتعبه.
هناك قرى، كانت، وربما ما زالت، تدير امورها افضل بكثير من الحكومات، كان هناك من يسمّي «راعي العجّال» – وأتكلم هنا عن القرى الصغيرة الريفية – وكان يمرّ على البيوت التي تملك بقراً وغير ذلك فيجمعها ويذهب بها الى مراعٍ معيّنة، ويعيدها ظهراً او مساء الى اصحابها.
اعطي هذا المثال، لأقول ان الدولة التي يهمّها شعبها، تلجأ الى حلول كثيرة غير مكلفة لتنظيم حياة الناس، ولكنني اعود فأتذكر انني اعيش في لبنان، حيث لا حكومة ولا من يحزنون، والكوارث ستتوالى طالما ان هذه النوعية هي التي تتحكّم بالمواطنين.