Site icon IMLebanon

الجدار الإسمنتي: لغم تفجير أم انزلاق إلى مواجهة بلا ضوابط؟  

الجدار الإسمنتي: لغم تفجير أم انزلاق إلى مواجهة بلا ضوابط؟  

معطيات أميركية وإيرانية وإسرائيلية تستبعد الحرب.. لكن المغامرات غير المحسوبة تبقى قائمة

 

«حزب الله» يضع الإصبع على الزناد فهو الذي يتحكّم بقرار الحرب والسلم وليس مجلس الدفاع أو الدولة اللبنانية

تتّجه الأنظار مجدداً نحو الجنوب وسط قلق من الانزلاق، أو الاستدراج، إلى احتكاك لبناني – إسرائيلي قد يتدحرج إلى مواجهة محدودة وربما حرب من دون ضوابط. الخطوة الإسرائيلية المتمثلة  ببناء جدار اسمنتي تتضمن في طياتها «لغم التفجير» إذا اشتمل على النقاط الـ13 التي يتحفظ عليها لبنان والمتنازع عليها عند الخط الأزرق، والمواقف التي أطلقها وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان حول ملكية إسرائيل لـ«البلوك 9» الغازي في المياه اللبنانية الخالصة يتعدى «الاستفزاز الكلامي»، خصوصاً أنه حَمَل تحذيراً ضمنياً للشركات التي تقدّم عروضها في المناقصة  حين اعتبر أنها ترتكب خطأ بذلك.

لا شك أن الموقف الرسمي الموحّد يشكل نقطة قوّة لبنان حيال المجتمع الدولي برمته من جهة، ويوجّه رسالة واضحة لإسرائيل حول الالتفاف المطلق ضد أي اعتداء على أراضيه من جهة ثانية، بما يعنيه من غطاء لبناني رسمي ليس فقط للقوات الشرعية اللبنانية المتمثلة بالجيش اللبناني، الذي يُفترض به أن يتولى حماية لبنان وحدوده، بل أيضاً لسلاح «حزب الله» المندرج هنا في إطار مقاومة العدو، رغم أن القرارين الدوليين 1559 و1701 واضحين لجهة مسألة السلاح غير الشرعي وبسط الدولة سلطتها على الأراضي اللبنانية، ومنع وجود أي قوات مسلحة غير شرعية في منطقة جنوب الليطاني والتي هي منطقة عمل قوات الطوارئ الدولية, لكن ثمة فارق كبير بين القرارات على الورق وبين الواقع على الأرض، خصوصاً أن الكلام عن سلاح «حزب الله» طوي مؤقتاً تحت شعار «ربط النزاع»، لا بل إن رئيس الجمهورية سبق له أن ربطه بمسألة حل أزمة الشرق الأوسط والصراع العربي – الإسرائيلي، فيما الدعوات المتعددة من غير طرف داخلي وحتى دولي إلى ضرورة استكمال اللبنانيين حوارهم حول استراتيجية دفاعية تشكل حلاً لهذا السلاح ضمن خطة لاحتوائه، لن تلقى آذاناً صاغية إلا حين تتضح الصورة الإقليمية، ودور «حزب الله» الإقليمي ومصير الميليشيات الشيعية التي تقاتل في الإقليم.

المعضلة هنا، أنه في ظل الأجواء المتوترة وأجندات القوى الإقليمية والدولية المتصارعة على الساحات المشتعلة في المنطقة، فإن أي خطأ صغير قد يُشعل حرباً، وبالتالي ترتفع وتيرة المخاوف من القناعة السائدة لدى كثير من المراقبين بأن مَن يتحكّم بقرار السلم والحرب ليس الدولة بل «حزب الله»، فهو مَن يضع الإصبع على الزناد، سواء من حيث الفعل أو ردّ الفعل. هي قناعة يتم العمل على الإيحاء بعكسها من قبل السلطة الحاكمة عبر انعقاد مجلس الدفاع الأعلى برئاسة رئيس الجمهورية وأركان الدولة المعنيين، وعبر مواقف تصدر في مجلس الوزراء ومِن المسؤولين، غير أن الوقائع السابقة تناقضها وقد تفعل فعلها هذه المرة أيضاً، بحيث يسبق العمل العسكري الآليات الدبلوماسية أو يتجاهلها.

القلق مبرّر، لكن محللين مقرّبين من الحزب الجمهوري الأميركي الحاكم،  يعتقدون أن القوى التي بإمكانها أن تُشعل حرباً إسرائيلية – لبنانية ليس لها مصلحة بذلك. أولها، إسرائيل التي تجد بقربها اليوم إدارة أميركية حليفة وداعمة لها، ومتناغمة معها في حماية مصالحها وفي الذهاب إلى حل النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني وفق رؤيتها بحدود كبرى برزت أولى تجلياتها باعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، وإلى الدفع في صوغ علاقات طبيعية بينها وبين الدول العربية التي لا تزال رافضة لتطبيع العلاقة قبل حل عادل للقضية الفلسطينية، وبالتالي ليست مأزومة ولا تحتاج إلى حرب لتوظفها في اللعبة السياسية الداخلية. كما أنها تجد نفسها للمرة الأولى في أجواء مريحة لجهة تراجعها من مرتبة العدو الأول للعرب إلى مرتبة ثانية بعدما احتلت إيران هذه المرتبة في ظل امتداد الخطر الإيراني إلى قلب دول عربية عدّة، ولا سيما دول الخليج العربي، وفي مقدمها المملكة العربية السعودية التي تخوض حرباً شرسة دفاعاً عن أمنها القومي والأمن القومي الخليجي والعربي ضد اختراق طهران وأذرعها من الميليشيات الشيعية للنسيج الاجتماعي في كثير من تلك الدول.

ولا شك أن إسرائيل تواجه مخاطر يشكلها تمدّد إيران في سوريا ومحاولتها خلق وقائع جديدة في الجنوب السوري من خلال إنشاء قواعد أمامية على خط الجولان وتشكيل مجموعات قتالية تحت عنوان «حزب الله – سوريا» على غرار «حزب الله – لبنان» وتأمين خط تموين دائم للسلاح للحزب ومستودعات أسلحة وإنشاء مصانع عسكرية وصاروخية لصالحه، إلا أنها من خلال ما رسمته من «خطوط حمر» منذ بداية الحرب السورية، وما توصلت إليه من توافقات برعاية روسية – أميركية قد أمّن لها حتى الآن نوعاً من مظلة الأمان، حيث تعمل باستمرار على شن الغارات على المواقع والمستودعات وشحنات وقوافل السلاح والمنشآت العسكرية. وإذا ما تمّ تجاوز «الخطوط الحمر» والعمل على تغيير المعادلات القائمة، فإن الضامِنَين الروسي والأميركي سيكونان في المأزق عندها.

ثاني القوى التي يمكنها أن تستدرج حرباً إسرائيلية هي إيران عبر وكيلها «حزب الله». هذه الحرب في رأي هؤلاء المحللين لا تخدم بداية إيران التي تواجه اليوم مزيداً من الحصار والعقوبات الأميركية عليها، وتواجه وضعاً داخلياً متأزماً اقتصادياً واجتماعياً، إذ أن الحركات الاحتجاجية التي شهدتها مدن إيرانية كبرى شكلت جرس إنذار للسلطة الدينية والسياسية في طهران من أن جزءاً كبيراً من المجتمع الإيراني  لم يتشرّب مبادئ وعقيدة الولي الفقيه، وأن الوضع الداخلي المأزوم على غير مستوى قابل للانفجار، وأن كثيراً من الشعارات ركّزت على أن حروب إيران في الخارج سبب من أسباب الأزمات الاقتصادية الداخلية. وهي تدرك أن أي حرب تُقدم عليها قد تُسرّع في انهيار الجمهورية الإسلامية، ولن يكون بإمكانه أن يشكل هروباً إلى الأمام من الأزمات الداخلية مع تغيّر المزاج الشعبي حيال مشروع إيران بمد نفوذها إلى المنطقة، ما جعل الشعب الإيراني يدفع ثمن هذه السياسة.

وثالث هذه القوى هي «حزب الله» نفسه، الذي على الرغم من محاولات رفع خطاب تهديده، فإنه على يقين تام من أن حرباً كهذه ستكون باهظة الأثمان عليه. فهو عملياً دفع أثماناً كبرى بانخراطه المباشر بالحرب السورية، وبيئته الحاضنة تعيش في قلق دائم من تداعيات هذا الانخراط على المدى القريب والمتوسط والبعيد، ومن العقوبات الخليجية والأميركية التي تطاله وتطال متمولين محسوبين عليه أو مقرّبين منه أو مؤيدين له، فضلاً عن أن أي حرب ستعيد الجنوب عشرات السنين إلى الوراء، وستشرد مئات الآلاف من أبنائه الذين لن يفتح الشعب السوري أذرعه لهم كما فعل في حرب 2006، ولن يشعروا بكثير من الارتياح في أحضان ومناطق الشركاء في الوطن، لا سيما وأن ما شهدته البلاد مؤخراً من توترات سواء في محيط «سنتر ميرنا الشالوحي» أو «الحدث» وحتى في عرمون، كشف عمق الشرخ الحاصل في المجتمع رغم كل «أنشودات» الوحدة الوطنية  والعيش المشترك.

هذه القراءة حول «لا احتمالات» الحرب تبعث على بعض  من الارتياح، لكن المخاوف تبقى من المغامرات غير محسوبة النتائج والتي شكلت «حرب تموز» 2006 نموذجاً لها.

رلى موفّق