Site icon IMLebanon

إدانة موثّقة!

 

تأخذ مداها العملية العسكرية التركية في جرابلس ومحيطها، دالّة ومؤشرة على كونها أكبر من جغرافيتها المباشرة، لكنها أصغر من مطالب أنقرة (المزمنة!) بإقامة منطقة آمنة في معظم الشريط الشمالي السوري وصولاً إلى حلب، والتي لو تحققت قبل الآن لربما ما كانت مآسي هذه النكبة وصلت إلى ما وصلت إليه. ولما كان المعطى الإرهابي أخذ مداه الوظيفي المفيد لمعظم المعنيين وفي مقدمهم واشنطن، بعد المحور الإيراني الأسدي الروسي.. ولربما قلّ عدد الثكالى واليتامى والمنكوبين والمهجرين والنازحين والمحروقي القلب والروح من شعب سوريا المظلوم، ولربما كان مسار الأمور في جملته وكليّته أخذ منحى آخر باتجاه مفيد لسوريا وجوارها!

وهذه الـ»ربما» فيها من الأجوبة أكثر من الأسئلة! ومن اليقين أكثر من التمنيات! حيث إن الدخول التركي الراهن يدلّ من جهة على تهافت أميركي لإعادة كسب ثقة أنقرة غداة ما لحق بتلك الثقة من آثام وشكوك جراء المحاولة الانقلابية الفاشلة في منتصف تموز الماضي. ويدل من جهة ثانية، وبشكل أكبر وأشمل (وأصدق) على عقم المقاربة الأميركية للنكبة السورية في مجملها.

«المنطقة الآمنة» الراهنة المختصرة التي ستمتد على طول سبعين كيلومتراً وفي عمق مداه الأقصى نحو عشرين كيلومتراً، لن تكفي سوى في ناحيتين: الأولى هي كسر التمدد الكردي ومنع تواصله جغرافياً، والثاني توفير ملاذ معقول لـ»الجيش الحر» بعد ردّ الاعتبار إليه ونفض الغبار الذي راكمه الأميركيون على دوره تبعاً لامتناعهم عن دعمه أو السماح بدعمه بالأسلحة النوعية المطلوبة، أو للعبه أي دور مركزي أو محوري يمكن أن يعطي دلالات على وجود «خيار ثالث» خارج نطاق ازدواجية المفاضلة بين بقايا سلطة الرئيس السابق بشّار الأسد أو الإرهاب!

وتشريح الموقف الأميركي لم يعد يحتاج في واقع الحال إلى كثرة تركيز ومباضع استثنائية لتبيان حجم الخبث «المؤدلج» الذي ينطوي عليه. غير أن واقعة جرابلس ومحيطها تعطي ذلك التشريح طابعاً «علمياً» وتوثيقياً أكيداً. إذ إنها تدل على مدى قدرة الأميركيين! ومدى تحكمهم الفعلي بمعظم مناحي النكبة السورية! وبمعظم الأدوار المتعلقة بها! وبـ»كل» أو جلّ قرارات القوى المنخرطة فيها، وعلى رأسها الروس! وغير الروس! مثلما تدل على أن فكرة «المنطقة الآمنة» أساساً، كانت ولا تزال صحيحة، وإلا ما كانت لتُعتمد راهناً، وإن كان هذا الاعتماد جزئياً ويطال أقل من عشرة في المئة فقط من جغرافية الخطة التي تعب الأتراك عبثاً على مدى السنوات الثلاث الماضية، من أجل تنفيذها.

فجأة اليوم، صار نائب الرئيس الأميركي جو بايدن يقول بثقة ووضوح تامين، إن الأتراك سيبقون في المنطقة التي دخلوا إليها طالما استدعى أمر محاربة الإرهاب ذلك.. أي على النقيض تماماً من الموقف (السابق) لإدارة مستر أوباما الرافض لأي طرح يطال إقامة «منطقة آمنة» أو «ملاذ آمن»، من حيث المبدأ!

بقدر ما تحمل التطورات الميدانية في الشمال السوري إدانة واضحة لكل «منهج» أوباما، بقدر ما تحمل على الجانب الآخر، دلالة على شطارة الأتراك، وقدرتهم على تطويع الموقف الأميركي لمصلحتهم.. بغضّ النظر عن كل تفصيل آخر. برافو إردوغان!