ما إن تعطلت “صفقة باريس”، حتى عاد الكلام عن تفعيل العمل الحكومي. فهل تكون العودة إلى جلسات مجلس الوزراء بشروط مدروسة؟
هل يكون تفعيل الحكومة جائزة الترضية المشروطة بديلاً من “صفقة باريس” ومن ترحيل انتخابات رئاسة الجمهورية إلى عام 2016؟
قد يكون تيار المستقبل من أكثر القوى السياسية التي تأثرت سلباً بفعل تعطيل الحكومة لشهور، واهتزازها على وقع المعارضات الداخلية لها، بعدما وضع كل ثقله قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان لتأليفها برئاسة الرئيس تمام سلام. وأسهم الحوار الذي أجراه الرئيس سعد الحريري مع رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون في إرساء جو من التفاهم والتهدئة للإتيان بحكومة مشتركة. وكان المستقبل، مثله مثل كل المكونات الأخرى، يدرك أن الحكومة ستنوب عن الرئيس العتيد بعدما كانت كل المعطيات تفيد، قبل انتهاء ولاية سليمان، بتعذر إجراء انتخابات الرئاسة.
تنفس المستقبل الصعداء حين حلّت الحكومة التي نال فيها حصة وازنة مع حقائب سيادية محل رئيس الجمهورية، وتحوّلت السلطة إلى يد الحكومة مجتمعة، وتقدّم موقع رئيس الحكومة. لكن، تدريجاً، بدأ الارتياح المستقبلي يواجه من داخل الحكومة وخارجها.
فعلى وقع تدهور الحوار بين عون والحريري، كانت الحكومة تتعرض لهزات متتالية، تحت وطأة الخلافات والاعتراضات العونية على آليات اتخاذ القرار الحكومي، والتمسك بالتفاهمات التي كانت في أساس تشكيل الحكومة. وما إن توقف الحوار بين الطرفين وبدأ تبادل الاتهامات بينهما، حتى تعطلت الحكومة في شكل كامل، على وقع التعيينات الأمنية ورفض المستقبل لها وإصراره على التمديد للقادة الأمنيين.
مع توقف عمل الحكومة، فقد المستقبل ورقة أساسية جاهد للحصول عليها وظل يتمسّك بها لإدارة اللعبة السياسية الداخلية. ورغم الأصوات التي كانت تصدر من حين إلى آخر، مطالبة باحترام موقع رئاسة الحكومة والموقع السني لرئيس الحكومة والحفاظ على صلاحياته، ظل التيار الوطني الحر متمسكاً بصلاحيات رئيس الجمهورية ورفض التنازل عنها إلا للحكومة مجتمعة والأطراف المسيحيين الذين يمثلونه. عطّل عون إدارة المستقبل، من خلال الحكومة، للوضع الداخلي لأشهر عدة، رغم تفاقم الملفات التي تحتاج إلى مجلس وزراء.
بعد أشهر من الأزمة الحكومية، وجد الحريري والمستقبل، أي الطرف السني، نفسه خارج إدارة الوضع الداخلي. فرئيس مجلس النواب نبيه بري أعاد تنشيط المجلس النيابي، ولو بالتفاهم معه، لإمرار قوانين مالية ومعها تشريع الضرورة، وعاد إلى ترؤس طاولات الحوار المتتالية.
لا يمكن أن يقابل عون وقوف حزب الله معه بموقف جامد من الوضع الحكومي
في المقابل، وضع عون ورئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع معادلة جديدة بضرورة الوقوف عند رأيهما في الملفات المطروحة كما حصل في تشريع الضرورة.
حاول الحريري خرق تطويق دور الحكومة، وتعطيلها المستمر، وإعادة تفعيل دور الفريق السني من خلال الإتيان برئيس للجمهورية عبر سلة تفاهمات مع رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية، و”صفقة باريس” التي صارت معروفة. وكان واضحاً، من خلال ما تسرب من لقاء باريس وكلام فرنجية نفسه، أن النقطة الأساسية في الحوار الرئاسي التركيز على بند التعهد بعدم تعطيل الحكومة، (كما عدم إطاحتها)، لأن هذا الأمر هو في صلب المشكلة التي واجهت فريق المستقبل خلال سنة ونصف سنة من الشغور الرئاسي، بعدما صعّب عليه عون استثمار ذهابه إلى نقيض ما كان يتحدث عنه منذ خروج الحريري من السلطة ومن لبنان، بوجوده في حكومة شراكة مع حزب الله. فاوض الحريري في باريس على عدم تعطيل الحكومة، مطالباً بعدم التعرض لها، فبدا متمسكاً بهذا البند بقدر حرصه على مناقشة بنود اقتصادية ومالية، أشار إليها فرنجية نفسه حين تحدث عن موضوع الضريبة على القيمة المضافة.
عطل حزب الله وعون وجعجع، بشراكة معلنة وغير معلنة، “صفقة الرئاسة”، وتعطّل بذلك مشروع عودة الحريري إلى رئاسة الحكومة، وتالياً إلى مشروع سياسي واقتصادي ومالي بوجه يلائم المتغيرات التي لحقت بوضع الحريري السياسي والمالي. لكن تعطيل الصفقة لا يلغي أن حزب الله الذي اعترض على تسمية الحريري لفرنجية، لا يريد قطع شعرة معاوية مع رئيس الحكومة السابق، فيما الطرفان مستمران في الحوارات الثنائية بينهما في شكل دوري. فالمستقبل يحتاج إلى الحكومة حيثية أساسية لوجوده السياسي بعد تعطّل أدواته الأخرى، والحزب لا يريد كسر الحوار بينهما.
على خط حزب الله ــــ عون، طرحت أسئلة عن احتمال تزخيم الوضع الحكومي من باب تطويق تداعيات “صفقة باريس” ومبادرة الحريري التي قدمها من زاوية عدم ترك الأوضاع على حالها في ظل الشغور الرئاسي. الاقتراحات التي جرى تداولها جاءت على قاعدة تفعيل الجلسات الحكومية، من دون سقف محدد. أي لا التزامات مسبقة ولا تحديد لأطر دائمة أو تعهّدات بالتزام تسيير الشأن الحكومي وتسهيل عمل الحكومة وفريق المستقبل بلا شروط. فالتيار الوطني الحر، اليوم، في موقع المرتاح بعد تعطيل الصفقة وما خلصت إليه من ارتدادات سلبية وإيجابية، في علاقاته مع الأطراف السياسيين كافة. وإذا كان عون لم يسهّل عمل الحريري وحكومة سلام قبل باريس وبعد توقف الحوار بينهما، فهل يمكن أن يعطي الحريري من دون مقابل، أو على الأقل من دون شروط، بعد لقاء باريس، شيكاً على بياض؟ وفي الوقت نفسه، يعرف عون أنه لا يستطيع أيضاً إقفال الأبواب كلها في وجه محاولات لملمة الأوضاع الداخلية، كذلك لا يمكن أن يأسر حزب الله الذي وقف معه في معركة الرئاسة ضد تسوية باريس بموقف جامد غير متحرك من الوضع الحكومي، علماً أنه حرص في جلسة الحوار وبعدها على التذكير بشروطه الأولى للعمل الحكومي. لكن الطرفين غير مستعجلين، وخصوصاً إذا أقدم الحريري على خطوة رئاسية جديدة يرى فيها الطرفان إمعاناً في التحدي. عندها يخشى أن يكون عام 2016 عام الشغور الحكومي أيضاً.