منذ قرابة الأسبوعين، كان يُفتَرض بوزير المال أن يُقدِّم تقريره المالي إلى مجلس الوزراء، لكنَّ الأَحداث التي عصفت بالبلد ولا سيما في بلدة القاع في البقاع الشمالي وما أعقبها من أخبار وتهديدات بتفجيرات، جعلت إرجاء البت بالتقرير حتمية.
لكن مع عودة السيطرة على الوضع بقاعاً، ومع بلورة حقيقة التهديدات وأخبار التفجيرات، تقدَّم التقرير المالي مجدداً، ويُتوقَع أن يباشر مجلس الوزراء البحث اعتباراً من جلسة اليوم.
ماذا في التقرير؟
تقول مصادر علمية اطَّلعت على خطوطه العريضة، أنَّ التقرير يقع في واحدٍ وأربعين صفحة، ويتضمَّن تشخيصاً دقيقاً للوضع المالي وما يعتريه من ضعف بنيوي بعد سيل الفراغات التي تتلاحق في إدارة الدولة وأجهزتها وبنيتها، ويُعطي وزير المال في تقريره حيِّزاً كبيراً لواقع غياب الموازنة العامة منذ عشرة أعوام، وهذا ما ينعكس فوضى غير خلاَّقة. ومن الإنعكاسات السلبية لغياب الموازنات أنَّ عمليات الصرف تتم من الإحتياط بشكلٍ هائل، ما يعني أنه إذا بقي الوضع على ما هو عليه فإنَّ المالية العامة للدولة ستواجه مشكلة حقيقية.
وفي غياب الموازنات يتم الصرف من باب إلى باب، بحيث أنَّ مالاً مخصصاً لمشروع معيَّن يتم اقتطاعه لمصلحة مشروع آخر، وهكذا دواليك بحيث تُحرَم مشاريع عدة من الموازنات المخصصة لها.
التقرير ينتهي إلى خلاصة سوداوية حين يتحدَّث عن صعوبات جمَّة في المالية في النصف الثاني من السنة.
ماذا بعد هذا التقرير؟
وكيف سيتلقفه الوزراء؟
بعضُ الوزراء في الصورة الحقيقية لواقع المالية العامة، والبعض الآخر غير مدرِكٍ لصعوبتها، وفي الحالَيْن فإنَّ رئيس الحكومة، حين يطَّلع على الملف سيضع الجميع أمام مسؤولياتهم، فهل تبدأ مرحلة شد الأحزمة وترشيد الإنفاق؟
من المؤسف أنَّ بعض المسؤولين ولا سيما الوزراء منهم، غير واعين إلى حجم تسونامي الكارثة الذي يقترب، فكل العوامل السلبية موجودة فيما لا عوامل إيجابية، وإذا وُجِدَت فهي نادرة.
في المقابل، بماذا يتلهَّى المسؤولون؟
من المؤسف أن الإلهاءات تتركَّز على قانون الإنتخابات، بما يوحي لبعض البسطاء أن الإنتخابات ستجري غداً، علماً أنَّ لا شيء يشير في الأفق إلى أنَّ إنجاز القانون قد اقترب، كما أنَّ لا رغبة لدى طبقة السياسيين، ولا سيما النواب منهم، في إجراء الإنتخابات النيابية لأنهم يرتاحون سعداء على كراسيهم.
هكذا، بين المصاعب المالية والإرتياح النيابي، تبدو البلاد تترنَّح بين انعدام المسؤولية وانعدام الوزن، من دون أن يلوح في الأفق ما يشير إلى اقتراب الخروج من النفق.