IMLebanon

التعازي بسلسلة الرتب والرواتب مؤجّلة… إلى جلسة التمديد!

لم يَكن سهلاً على بعض المراقبين أن يُصدّق أنّ مجلس النواب كان على موعد أمس مع سلسلة الرتب والرواتب بالصيغة التي تُرضي أكثرية المعنيين بها. فالجميع يدرك أنّ البلاد ليست على موعد مع هذه الخطوة الإصلاحية، بعدما أدخِلت بازار المقايضات لتبرير «جلسات الضرورة» ومعها التمديد قبل سندات اليوروبوند، ليصحّ الإعلان عن موعد تقبّل التعازي بالسلسلة.

أخطأ كثيرون في التقديرات بأنّ المجلس النيابي سيُجمع بنصاب كامل لم يتوافر إلّا لـ»جلسات الضرورة» على إقرار السلسلة الجديدة للرتب والرواتب بالصيغة التي يمكن أن ترضي المعنيين بها مباشرةً من موظفي القطاع العام والأساتذة في القطاعين العام والخاص وصولاً الى العسكريين. فقد حوَت في متنها ما يكفي من الألغام التي فجّرتها من الداخل فأطاحت بها. كلّ ذلك، على وقع رزمة ملاحظات أبدتها الهيئات الإقتصادية والأسلاك العسكرية.

ولا بدّ من الإشارة الى الظروف التي قادت الى هذا السيناريو الذي حيك بقدرة قادر على تسخير التفاهمات التي يمكن أن تقود الى التصويب على الأهداف غير المرئية. فرُفعَت في هذا الإطار شعارات الضرورة لتكوين حلف جديد أضاع ممثلون عنه مئات ساعات العمل الليلية والنهارية لوضع الجداول والأرقام هباءً.

ففي نصف ساعة تبخّرَت كلّ الوعود، وتساقطت الجداول التي بُنيت على ارقام وهمية في مرحلة هي الأخطر سياسياً وإقتصادياً، فانفرجَت أسارير الهيئات الإقتصادية والتجارية التي تشكو نسبة الأرباح المتدنية في ظل الحروب التي تشهدها المنطقة والحصار الإقتصادي والسياحي الذي استورده بعض اللبنانيين الى كل لبنان جرّاء مغامراتهم في المنطقة وطموحاتهم التي لم يعُد لها حدود.

وبقيَ على اركان الهيئات العمّالية التعليمية والتربوية والنقابية وموظفي القطاع العام بمن فيهم اعضاء هيئة التنسيق النقابية ان يتبادلوا التعازي، لكن من دون أن يشاركهم أحد العزاء.

فقد تنَصّل ممثلوهم عن كامل تعهداتهم السابقة بلحظات عابرة، بعدما تمنّى العسكريون بلسان نائب رئيس الحكومة ووزير الدفاع فصلَ أسلاكهم عن الأسلاك الإدارية الأخرى، فالذين يعملون في المكاتب ليس لهم الحقوق نفسها كالذين يمضون الليالي في العراء على مساحة الوطن من جنوبه الى شماله ومن عمق عاصمته الى جرود عرسال ومحيط المخيمات والمربّعات الأمنية.

وعليه، يخطئ من يعتقد أنّ المجلس النيابي قد فشلَ في إمرار «جلسة الضرورة» أو أنّه افتقد الثقة التي أولاه إياها الشعب اللبناني، لأنهم «لا يدرون ما يفعلون».

فبالعكس تماماً، كان كل شيء مدروساً بتقنية عالية الجودة. فالمجلس جمَع تحت قبّته أمس نصاباً كاملاً كان كافياً لإنتخاب رئيس جديد للجمهورية لو أراد إثباتَ قدراته التمثيلية وأتقنَ الأدوار التي أنيطت به قبل اللجوء الى «جلسات الضرورة» التي قد يزول البلد وينهار من دونها، وهو لم يَضع قانوناً جديداً للإنتخاب في عام وسبعة أشهر من ولايته الممددة لهذه الغاية، وعطّل بقدرة قادر كلّ أدوار المؤسسات الدستورية المكلّفة مراقبة دستورية القوانين وشلّ المجلس الدستوري بتفاهم يساوي في شكله ومضمونه من نفّذ الإنقلاب التشريعي امس، وكأنّ شيئاً لم يكن، فواصَل النواب البَتّ ببقية اقتراحات ومشاريع القوانين على رغم «قلة دسم الضرورة فيها»، ولم يُجِز المجلس للحكومة دفعَ رواتب موظفي القطاع العام حتى نهاية السنة تجنّباً للفضيحة الكبرى وليستطيعَ تحقيق «إنجاز من هذا الحجم والنوع».

فالمجلس النيابي الذي نجح في استعادة دوره التشريعي على حساب دوره الإنتخابي في ظلّ الشغور الرئاسي يستعدّ لتبرير خطواته المقبلة ليتسنّى له عقد سلسلة جديدة من جلسات الضرورة.

فقانون سندات اليوروبوند لا يتحمّل التأجيل، ومعه لا بدّ من سيناريو آخر لإمرار التمديد قبل اللجوء الى خطوات من خارج الإطار التشريعي بعد التهديد بسحب ترشيحات المرشحين من مذهب معيّن لتفتقد الدعوة الى الإنتخابات النيابية «ميثاقيتها»، ما لم يتمّ التفاهم على سيناريو التمديد، وعندها سيعلَن الموعد الرسمي للحداد على سلسلةٍ طال انتظارها ومعه موعد تقبّل التعازي بها.