IMLebanon

العزاء لبيروت المحروسة بالشهداء رفيق الحريري ووليد وخالد عيدو

 

السبت 13 حزيران.. في مثل هذا اليوم كان الشهيد وليد عيدو ونجله الشهيد خالد أحياء، وكانا يعتقدان أن البحر هو جزء من الحديقة الخلفية للدار، وفيه الكثير من الأمان. فذهبا ليُطَمئنا الناس من السَفَّاح الذي قرّر أن يأكل الأطفال والنساء ويمنع الأحلام. كان وليد عيدو يعرف أنّ أبناء مدينته يعيشون حالاً من الخوف والرعب من القاتل المتجوّل بين أحياء المدينة، شرقاً وغرباً، يختار منها الأفضل والأقوى والأوفى والأقدر ليضمّه إلى قائمة الغياب عن حياة الوطن.

وليد عيدو، ومنذ ثماني سنوات ملتزم الصمت. يراقب بعين القاضي الارتكابات من هنا وهناك، ويتحسّسُ أوجاع الكثيرين ممّن اغتيلوا وما زالوا على قيد الحياة، وينظر بخفّة الى كل الذين أخذتهم شهوة السلطة والأنا العالية بعيداً عن الحق وأصحابه وعن أوجاع الوطن وأهله، فأسقطوا المواقع الرفيعة الحكومية والروحية فريسة للشهوات الشخصية.

وليد عيدو يعرف مدينته جيّداً ويعرف تسامحها وصبرها الى حدّ أنها تجعلك تشعر أنها لا مبالية بما يحدث في أحيائها وعلى ترابها ولِناسِها، ثم تفاجئك أنها كانت تسجّل أدق التفاصيل وتحفظها عن ظهر قلب، وأن بيروت ليست عمارات حديثة نسكنها أو شطارات ومهارات من هنا وهناك. فبيروت هي القلب والضمير والوجدان التي متى استيقظت كانت أشبه بالبركان أو الزلزال، وما أكثر الذين عاقبتهم بيروت بزلازلها.

وليد عيدو في ذكرى استشهاده الثامنة لديه الكثير ممّا يقال ومما لا يقال. وهو مَن استشهد وهو ينادي بالحقيقة من أجل لبنان، وخصوصاً أن هذا العام كان عام المحكمة الدولية بامتياز.. تلك القضية التي كانت جزءاً من وليد عيدو وكان جزءاً منها، وما زال صوته يملأ الأجواء مقاتلاً من أجل قيام هذه المحكمة، وعلى كتفيه علم لبنان، وليس لأنّها ستعيد الذين غابوا إنما من أجل أن تعرف الأجيال المقبلة أي استبداد كان يتحكم باللبنانيين وبلبنان.

يدرك وليد عيدو جيداً معنى غياب سعد الحريري وعزله، وهو فصل أساسي من فصول الجريمة الكبرى والاغتيالات التي توالت لتطال كل من كان قادراً على التقدم إلى الأمام في مواجهة رموز اليأس وإعادة عقارب الزمن إلى الوراء والذين أسّسوا من جديد لما يعانيه لبنان الآن. ولسنا بحاجة لذكرهم مهما علت مواقعهم أو تعاظمت إمكانياتهم، فهؤلاء لا يعرفون شيئاً عن الشهادة أو الشهداء الذين هم أكثر حضوراً بشهادتهم منهم.

سيستقبل الشهيد وليد عيدو ونجله خالد كل المعزّين بابتسامة وكبرياء، وبصلابة وثبات، لأنهما يعرفان لماذا استشهدا في حين لا يعرف الكثيرون من السياسيين الهواة لماذا هم على قيد الحياة.. وسيأخذان بأيدي الكثيرين ممّن أضلّوا الطريق وذهبوا بعيداً في التنكّر للشهداء الكبار الذين استشهدوا من أجلهم ومن أجل أبنائهم وحريتهم ومستقبلهم، ولتبقى بيروت عاصمة لبنان.

بيروت اليوم ستستعيد شهداء استقلالها الثاني والذين سيجلسون جميعاً في منزل الشهيد وليد عيدو يستقبلون الزوار الذين سيتذكّرون أنّ بيروت تستحق أن تُحمَى وتُصان كما استحقت أن يُعاد إعمارها وأن تعود جميلة وفاتنة وأقوى من الحرب والدمار والأحقاد. وسيعرف الجميع اليوم أن المسيرة لا تزال في بدايتها، وأن كل محاولات الفتنة والتعطيل لن تطال من بيروت التي تستضيفنا منذ عقود طوال بكل صداقة ومحبّة وحنان. ولا يسعنا إلا أن نقدّم عبر أثير اعتدال جريدة «اللــــواء» الغرّاء كلّ العزاء لبيروت المحروسة بالشهداء رفيق الحريري ووليد وخالد عيدو، والتي لن تُهزم بعد الآن.