IMLebanon

مؤتمر «المستقبل» ومؤشرات تنامي الإطار الحزبي للحياة السياسية اللبنانية

تيار المستقبل.. مسيرة الثقة والريادة والتجدد

مؤتمر «المستقبل» ومؤشرات تنامي الإطار الحزبي للحياة السياسية اللبنانية

يؤشّر المؤتمر العام لتيار «المستقبل» في توقيته، وفي شكل إحتكامه الى ما تخرج به الصناديق، والمزاوجة الحاصلة بين المنافسة والمشاركة، إلى مستويين اثنين في الحياة السياسية اللبنانية: أوّلها أنّه ليس صحيحاً أن «خاصرة الإعتدال» رخوة، في مقابل النزعات القصوية، وإن كان مطلوباً من الإعتدال دائماً أن يهتم بتأمين وصيانة عرى التواصل بين أقسامه وأشكاله، والإنفتاح على أكبر قدر من التعددية بين تنويعاته وأمزجته المحتملة، بما لا يقوّض حيّز المبادرة واتخاذ القرار، بل بما يحمي هذا الحيّز من المزايدة.

وثانيها أنّ الحياة السياسية اللبنانية، وإن كانت لا تختزل إلى الإطار الحزبي، لكن الإطار الحزبي، بمحدداته وحدوده، أساسيّ فيها، وهو مدعو مع بدايات هذا العهد الرئاسي الجديد، الذي سطّر فيه رئيس الدولة في السنوات الماضية تجربة تنظيمية حزبية وتكتلية برلمانية، إلى أن يتحوّل إلى سمة متزايدة في الحياة السياسية. لا تحديث سياسياً من دون أحزاب، ولا أحزاب أكثر قدرة على النفاذ الى صلب الحياة السياسية من جديد من دون تحديث أشكال انتظامها، وطرائق اختيار هيئاتها وقياداتها، وتصويب برامجها وخططها وسياساتها.

بالتوازي، كلما ذكر موضوع الأحزاب في لبنان، عدنا الى «مربّع الهمّ الأوّل»، قانون الإنتخاب، فإذا جرى القول، سائباً، بمثابة اجماع مبهم بين الجميع، بأنه وجب أن يكون قانوناً عصرياً يراعي صحة التمثيل، ولم يؤد الإجماع على هذا القول في الوقت نفسه الى انضاج توافق حول صيغة القانون نفسه، يأتي الإهتمام بتنمية الحياة الحزبية اللبنانية بعلامة اضافية يفترض السعي وراء تثبيتها اذا ما أريد للتقدّم باتجاه بلورة قانون انتخابي جديد أن يحصل: فالقانون الانتخابي الأصلح ليس فقط الذي يراعي «سكونياً» صحّة التمثيل، كما لو كانت الحصص التمثيلية «موجودة مسبقاً» قبل الإستحقاق، ولا تنتظر غير الاستحقاق كعملية وزن لها. يفترض أن يكون أيضاً قانوناً يراعي صحة وسلامة المنافسة، التي هي شرط شارط لتداول السلطة، وتحقيق المشاركة، ومن ثمّ لإعادة بثّ نفحات «الفصل بين السلطات» في نظامنا المتداعي.

وهنا، ترديد الكلام طول الوقت بأنّ «النسبية» صنو التحديث السياسي الإنتخابي، وتعود بالنفع على رواج فكرة الأحزاب السياسية، بدلاً من تمثيل الأعيان والوجاهات، هي فكرة لا يمكن أخذها على أنّها أمر بديهي أو قطعيّ، خصوصاً إذا كان المقصود بالنسبية شيئاً آخر غير اعتماد لبنان كلّه دائرة واحدة. ان كان من معنى للتحديث الانتخابي فهو في المعادلة بين احتماليين ممتازين: فاما اعتماد لبنان كله دائرة واحدة بالتصويت النسبي، بحيث تقوم فيه من شماله إلى جنوبه لائحتان أساسيتان، تشكل كل منهما «حزباً انتخابياً كبيراً» يضم جملة من الأحزاب السياسية والأطر والفعاليات والحيثيات، وإما اعتماد منطق «الصوت الواحد للناخب الواحد»، سواء من خلال التقدّم (الصعب) نحو تفصيل دوائر بعدد المرشّحين (وهذا يفتح المجال على صعوبته لالغاء الطائفية من الإنتخابات دفعة واحدة لعدم حاجة أي كان جدياً لها في هذه الحال)، أو باعتماد هذا المنطق كنظام تصويتي، إنّما على قاعدة الأقضية الموجودة، بحيث يترشّح من يترشّح على مستوى المقاعد المحتسبة بحسب الطائفة والقضاء، ولا يكون بامكان الناخب سوى التصويت لمرشح واحد يختاره، ولمقعد واحد يهمّه أكثر من سواه.

لا يمكن بطبيعة الحال اختزال كل الخيارات الى هذين المشروعين الجذريين نسبياً. يبقى أن ما عداهما من مشروعات لقانون الانتخاب ليس بامكانها المفاضلة مطولاً في ما بينها، من زاوية الرفع من الطابع «العصري» لأحدها، والذمّ من شأن الأخرى.

تشكّل الحكومة العتيدة، كما بلورة قانون الانتخاب، محكان مترابطان للحياة السياسية، في إطارها الحزبي خصوصاً، وانتماء رؤساء الجمهورية والبرلمان والحكومة الى ثلاث تجارب انتظامية مختلفة، وهي التيار «الوطني الحر» وحركة «أمل» وتيار «المستقبل» لها دلالتها أيضاً. ليس هناك في هذا البلد «ثنائية حزبية قطبية»، لكن هناك أحزاب أساسية، يمكن أن تحصى بسبعة أو ثمانية، وان كان لأحدها، «حزب الله»، «خصوصيته المستعصية»، كـ«حزب» و«ميليشيا» و«داخل وخارج الحدود»، في حين يظهر أكثر فأكثر ما يجمع كل الأحزاب الأخرى، باستثناء «حزب الله»، هذا بصرف النظر عن موقف كل منها من هذا الحزب، وسلاحه، وحربه في سوريا.