النواب أبرز «ضحايا» تصفية الحسابات
مؤتمر «المستقبل»: تعزيز هيمنة العائلة
لم تقدم مقررات المؤتمر العام الثاني لـ «تيار المستقبل» أي جديد على مستوى الرؤى السياسية التي بقيت أسيرة عناوين تتكرر عند كل استحقاق، فيما كانت القواعد الشعبية تنتظر أن يكون المؤتمر نقطة تحوّل، تؤدي الى تغييرات جذرية تحاكي طموحاتها وتمهد لها طريق العودة الى «الحظيرة الزرقاء».
وإذ حاول «المستقبل» إقناع مناصريه بمبادرة الرئيس سعد الحريري الرئاسية التي أفضت الى انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية، كانت لافتة مقاربته لبند السلاح، حيث استعاد أدبيات قديمة (بعضها بدا كأنه مأخوذ حرفيا من أدبيات «الجبهة اللبنانية») كانت أسست لأزمات وحرب أهلية، إذ تناست المقررات المطامع الإسرائيلية في لبنان وحق اللبنانيين في مقاومتها والتضحيات التي بذلت على هذا الصعيد، مكتفية باعلان أن إسرائيل هي عدو تاريخي للبنان والعرب، وبالدعوة الى مقاومة ديبلوماسية، كانت أثبتت فشلها تاريخيا، والمطالبة باستراتيجية دفاعية شاملة لحماية لبنان والدفاع عنه.
واللافت أيضا أن المقررات لم تأت على ذكر إجراء الانتخابات النيابية وإيجاد قانون جديد أو عصري لها، فيما بدا أن «تيار المستقبل» يصر على مصادرة الملكية الفكرية السياسية للرئيس نجيب ميقاتي لجهة تبنيه ضرورة النأي بلبنان عن صراعات المنطقة، متناسيا الهجوم العنيف الذي شنه على هذا المبدأ الذي ابتكرته «الحكومة الميقاتية» مع انطلاق «الثورة» في سوريا، وهذه الأخيرة قاربها المؤتمر بخلاف ممارساته طيلة خمس سنوات ونيف!
كما حاول دغدغة مشاعر الشارع السني من خلال تخصيص بند للموقوفين الاسلاميين، فضلا عن محاولته تطمين حركة 14 آذار بالالتزام بمبادئها وبذل الجهود لمنع تفككها السياسي.
شكل المؤتمر «تظاهرة سياسية» كان الرئيس سعد الحريري بأمسّ الحاجة إليها، وهو حاول تقديم نفسه بأنه تيار لبناني استثنائي، يضم مؤتمره العام 2400 عضو يمثلون نحو 16 ألف منتسب، فيما الرقم المصرح به لا يختلف كثيرا عن سائر الأحزاب التي بدأت منذ فترة تتنافس في عرض أعداد المنتسبين إليها منفوخا بتنسيبات الأيام الأخيرة التي تسبق عقد مؤتمرات كهذه.
من حيث الشكل، أعطى المؤتمر صورة ديموقراطية عن «تيار المستقبل» من خلال انتخاب 20 عضوا للمكتب السياسي، لكن في المضمون فإن ما شهده المؤتمر عزز الهيمنة العائلية «حريريا»، وكان هذا الأمر موضع انتقاد كبير في النقاشات التي شهدتها بعض جلساته.
واللافت للانتباه أن قسما كبيرا من الفائزين في انتخابات المكتب السياسي ومن المعيّنين فيه هم من الفريق المقرب جدا من الأمين العام أحمد الحريري، وقد بدا ذلك في الاجتماع الأول الذي عقد وقوفا على مسرح «مجمع البيال» لدى التقاط الفائزين والمعيّنين الصورة التذكارية، حيث سألهم الرئيس الحريري: هل لديكم اعتراض على ترشيح أحمد الحريري لمنصب الأمين العام؟، فكان «السكوت علامة الرضى»، ليعلن النائب محمد الحجار فوز أحمد بالتزكية، وهو الأمر الذي سيمكنه من الامساك بالتيار بيد من حديد.
هذا الواقع يقلق بعض المخضرمين الذين فازوا في الانتخابات ولم يكونوا على توافق كامل مع الأمين العام، وذلك لجهة نجاح انطلاقة المكتب السياسي، وكيفية الجمع بين فكر وخبرة من لهم تجربة واسعة في العمل السياسي وبين الأعضاء الجدد عديمي الخبرة، ومعالجة أمراض «الديموقراطية المقنعة» التي ستطل برأسها خلال الاجتماعات لتجيّر القرارات لمصلحة الأمين العام.
وفي هذا الاطار، لا يخفي بعض المخضرمين أنهم ينتظرون انعقاد الاجتماع الأول للمكتب السياسي ليبنوا على الشيء مقتضاه، ولعل التعبير الأول هو استقالة النائب باسم السبع من منصب نائب رئيس المستقبل لاسباب خاصة لا تنظيمية او سياسية كما أعلن، مشيرا الى أنه ينتظر اجتماع المكتب السياسي الجديد لتقرير الموقف النهائي.
ويمكن القول إن المؤتمر شكل فرصة لتصفية الحسابات بين «المستقبليين» على أكثر من صعيد، فتم إقصاء بعض المؤسسين الذين كانوا الى جانب الرئيس الشهيد رفيق الحريري ممن اعترضوا على خيارات الحريري الرئاسية، وتعرض كثير منهم لهجوم عنيف ومبرمج من دون أن يُفسح لهم في المجال للدفاع عن أنفسهم، ما دفع بعض المشاركين الى القول بأن «الحفاظ على أمانه الشهيد لا تكون باحراج رفاقه تمهيدا لاخراجهم».
ويمكن القول أيضا، إن نواب المستقبل كانوا «كبش محرقة» المؤتمر، وهم خضعوا لمحاسبة من العيار الثقيل من قبل بعض الطامحين للدخول مكانهم الى الكتلة الزرقاء قبل ستة أشهر من الانتخابات النيابية، وقد كشف ذلك حجم اتساع الهوة بين نواب التيار وكوادره، الذي كان سببا رئيسيا بحسب مطلعين على التراجع الذي شهده التيار في بعض المناطق، كما شهدت العملية الانتخابية قطع الطريق على بعض المنسقين البارزين من خلال اللوائح التي تم تشكيلها بايحاءات من بعض القيادات، فضلا عن السجالات العالية النبرة التي اتسمت فيها جلسات النقاش، ما دفع بعض المشاركين الى وصف ما يحصل بأنه أشبه بـ «سوق عكاظ»، مؤكدين «أن مناقشات المؤتمر الأول في عام 2010 كانت أفضل من الناحية السياسية من مناقشات المؤتمر الثاني التي لم تخل من تسجيل النقاط بين المؤتمرين».
ثمة سلسلة ملاحظات يمكن تسجيلها على هامش المؤتمر:
بدا واضحا أن الكوتا النسائية (7 نساء في المكتب السياسي) فاقت التوقعات، وأن إحدى النسوة وهي شذا الأسعد قد انتزعت عضويتها بالقوة عندما قدمت مداخلة نارية عن معاناة الطائفة السنية في عكار، وعندما سألها الرئيس الحريري لماذا لم تترشح؟ أجابته بأنك «ستقوم بتعيين 12 عضوا وأريد أن كون من بينهم»، فكان لها ما أرادت، كما جاءت التعيينات لمصلحة الفئة الشبابية التي باتت مع نتائج الانتخابات، تشكل ثلثي عدد المكتب السياسي.
كما كان لافتا للانتباه حصول النائب السابق مصطفى علوش على أعلى نسبة من الأصوات بعد أحمد الحريري بفارق 270 صوتا، وبفارق كبير عن سائر الفائزين، إضافة الى تعيين طارق المرعبي نجل النائب السابق طلال المرعبي الذي يبدو أنه بدأ بتسليم ابنه مقاليد السياسة عن طريق تيار المستقبل، فضلا عن خسارة رشيد الحجار نجل النائب محمد الحجار، وخلو المكتب السياسي من أي شخصية أرمنية، وخسارة بعض أركان المستقبل في قطاع المهن الحرة أمثال بشرى عيتاني التي يبدو أنها دفعت ثمن قربها من خالد شهاب أولا وسمير ضومط ثانيا.
أما الوزير أشرف ريفي فقد حضر في بعض المداخلات من دون أن يسميه أحد، وذلك من خلال مطالبة الرئيس الحريري بعدم دعم أي شخص يمكن أن يتمرد عليه أو أن يخرج عن إجماع التيار، كما انتقدت مداخلات بعض النواب الذين عارضوا توجهات الحريري الرئاسية، معتبرين أن سلوك هؤلاء يدخل ثقافة التمرد الى التيار.