لم تتسَلّم المخابرات اللبنانية حتى الآن من «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامّة» عنصرَها محمّد محمّد الموقوف لديها، والذي كان يَخدم قبل توقيفه عنصراً في موقع الجبهة في الناعمة الذي يُعتبَر من أبرز مواقعها العسكرية في لبنان، نظراً لقوّة تحصيناته واحتوائه كمّيات من الصواريخ.
علمَت «الجمهورية» أنّ قيادة «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة» في لبنان أبدَت استعدادها لتسليم محمد إلى الدولة اللبنانية، لكنّها تنتظر إشعاراً بذلك من أمينِها العام أحمد جِبرِيل المقيم في دمشق. وحتى يُصار إلى تسليمه، تبقى المعلومات الخطرة التي انتزَعها جهاز أمن «القيادة العامة» من محمد بحاجةٍ للتأكّد من صحّتها عن طريق معاودة الأجهزة اللبنانية المختصة التحقيق معه بعد تسَلّمِه.
وفي الانتظار تورِد «الجمهورية»، استناداً إلى مصدر كبير في «القيادة العامة»، وقائعَ عن الاعترافات التي أدلى بها الموقوف خلال تحقيقها معه:
يُفيد العنوان الرئيس الذي يُلخّصُ هذه الوقائع أنّ «محمّد محمّد» الفلسطيني من عين الحلوة (الذي كلّفَه القيادي السابق في «جند الشام» و«فتح الإسلام» بلال بدر جمعَ معلومات عن موقع «القيادة العامة» في الناعمة)، كان يَعمل ضمن مجموعة إرهابية يُشَغّلها بدر وتسعى إلى تنفيذ عملية أمنية مركّبة مسرحُها في آنٍ واحد: مقرّ «القيادة العامة» المركزي في مخيّم برج البراجنة وقاعدة نفَق الناعمة الواقعة قرب الطريق الساحلي بين بيروت وصيدا، وأيضاً الضاحية الجنوبية.
وقائع اكتشاف محمّد واعترافاته
من طريق المصادفة اكتشفَ أحدُ القادة العسكريين البارزين في «القيادة العامة» أنّ الهاتف الخلوي لمحمّد محمّد يحتوي رقماً لمشتبَه به يطارده جهاز أمن جبريل، لمسؤوليتِه عن أحداث سابقة ضدّ «القيادة العامّة»، وذلك بالاشتراك مع جماعات سَلفية إرهابية.
واستتبعَ هذا الكشف توقيفه بعد توافر جملة إشارات حول سلوكه. وفي التحقيق معه اعترفَ بأنّ بلال بدر كلّفَه جمعَ معلومات عن قاعدة الناعمة، وذلك لمصلحة تنفيذ خطّة تتَشارك فيها مجموعة إرهابية، وتتضمّن الأهداف الآتية:
أوّلاً، إغتيال المسؤول العسكري في «القيادة العامة» العميد «أبو راتب» عبر استخدام عبوة تسمّى «القنبلة الأميركية»، وهي تحتوي على نحو 420 شظيّة ويُضاف إليها كمّية مِن مادة الـ»تي. إن. تي»، لتصبح شديدة الانفجار. وكان المطلوب من المجموعة الإرهابية لصق هذه العبوة تحت سيارة «أبو راتب» أثناء توَقّفِها عند مدخل مقر «القيادة العامة» الرئيس في مخيّم برج البراجنة.
وكذلك كان يُفترَض بالاعتماد على التقنية التي تعمل بها هذه العبوة، أن تنفجرَ بعد الدقائق الأولى من تشغيل المحرّك بفعل شحنات الحرارة الواصلة إليها من المحرّك، على أن يؤدّي التفجير إلى مقتل أبو راتب، وهو ضابط عمليات مركزي في الجبهة، وتدمير المقرّ المركزي في برج البراجنة الذي تصدر من غرفة عملياته التعليمات العسكرية لقاعدة الناعمة. وتتضمّن الخطة أيضاً أن يُصارَ في الوقت عينه إلى اغتيال المسؤول العسكري لقاعدة الناعمة «أبو علي» قاسم.
ويَهدف بدر من عمليتَي الاغتيال هاتين إغراقَ عناصر قاعدة الناعمة في حالةٍ عارمة مِن الإرباك والفوضى نتيجة مقتل قائدهم المباشر (أبو علي قاسم) ونتيجة فقدان الاتّصال مع قيادتهم المركزية في مخيّم برج البراجنة، الأمر الذي يَسمح لمجموعة إرهابية بالنجاح في الدخول إلى قاعدة نفَق الناعمة.
وتصل خطّة بدر عند هذه النقطة إلى ذروتها وهدفها الأكبر والأخطر الذي يظلّ هناك حاجة لأن تتأكّد منه الأجهزة الأمنية اللبنانية، وذلك من خلال تسَلّمِها محمّد والتحقيق معه مباشرةً، وهذا الهدف هو، وفق المصدر في «القيادة العامة»، خَلقُ تفاعلاتٍ تؤدّي إلى فتنة شيعية – فلسطينية.
ويَفصل المصدر عينُه بالقول إنّه استناداً إلى معلومات متوافرة فإنّ التقدير حول الهدف النهائي لخطّة بدر من وراء تمكين مجموعة إرهابية من دخول قاعدة نفَق الناعمة، هو السيطرة على مجموعة من صواريخ الـ«غراد» الموجودة فيها، وبينها «غراد» معدل، ومن ثمّ إطلاقها في اتّجاه حواجز للجيش اللبناني وفي الأساس في اتّجاه عمق الضاحية الجنوبية، ما يَحصد أرواحَ العشرات من سكّانها، الأمر الذي سيعقبُه – غالب الظن – حالة من سوء التقدير في الضاحية عن الجهة التي تقصفُها.
وفي المحصلة، تهدف خطة بدر إلى خلق مسارٍ مِن الأحداث الدامية السريعة، تؤدّي إلى جعلِ ردود الفعل المباشرة لسكّان الضاحية على قصفِها تتّجه ضد الفلسطينيين، وذلك تحت تأثير الاعتقاد الأوّلي فيها، بأنّ عناصر «القيادة العامة» في الناعمة هي التي تقصف. والهدف الأبعد لهذه العملية هو السعي لإذكاء فتنة شيعية – فلسطينية.
ويلاحَظ أنّ هذه العملية التي تمّ إحباطُها بتوقيف المتّهم الرئيس فيها محمّد محمّد، تكمل من حيث مسار أهدافها الكبرى العملية التي نفّذَتها أخيراً مجموعة هيثم الشعبي الإرهابية الشقيقة لمجموعة بدر، والتي استدرجَت عبر محمد الشعبي (شقيق هيثم) عضو «سرايا المقاومة» التابعة لحزب الله مروان عيسى إلى مخيّم عين الحلوة، حيث قتلته وتقصّدَت تركَ شعارات مستفزّة مذهبياً على جثتِه.
والواقع أنّ هذه المعلومات تركت اهتماماً لدى الأجهزة الأمنية اللبنانية للتأكّد منها، ما جعَلها تكَثّف اتّصالاتها بقيادة « الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة» لإتمام تسَلّم محمّد منها.
وتجدر الإشارة في هذا المجال إلى وجود سوابق معلوماتية تعطي السيناريو الآنف شيئاً من الجدّية، إذ تلقَّت الأجهزة اللبنانية خلال العامَين الماضيَين معلوماتٍ عن احتمال كبير لحصول انشقاق بين عناصر «القيادة العامة» في كلّ مِن قاعدتَيها العسكريتين في الناعمة وقوسايا، وذلك على خلفية تبايُن المواقف داخل صفوفِها من الأحداث السورية ومن تأييد أو عدم تأييد مشاركة حزب الله فيها.
وتمَّ آنذاك إبلاغ جِبرِيل بضرورة التنبُّه، نظراً إلى أنّ أيّ انقسام بين عناصر الجبهة في هاتين القاعدتين ستكون له تبِعاتٌ أمنية على جوارهما اللبناني، وسيخلق تعقيدات أمنية تضرّ باستقرار لبنان. وبالفعل عولِجَت هذه التحذيرات حينَها عبر تشكيلات أجراها جِبرِيل في صفوف عناصر هاتين القاعدتين، كما أنّ «حزب الله» أنشَأ مواقع له قريبة منهما تحَسُّباً لحدوث أيّ انشقاقات داخلهما.
وبالنسبة إلى المعلومات التي تناقلتها وسائل الإعلام أخيراً عن قضية الموقوف محمّد وتسَلّمِه مِن بدر عبوةً لاستخدامها في اغتيال خالد أحمد جبريل (ابو العمرين)، أكّدَت مصادر «القيادة العامة» صحّة هذه المعلومات، لكنّها كشفَت أنّ هدف اغتيال خالد استجدّ على أصل خطة بدر، وتمّ التخطيط له بعدما أبلغَ محمد الى مشَغّلِه بدر، أنّه علِم أنّ «ابو العمرين» يَعتزم زيارة قاعدة الناعمة قريباً. وهنا طلبَ بدر منه اغتيالَه بالعبوة المضبوطة التي أصبحَت الآن في عهدة أمن جِبرِيل وقد فكّكَها.