أنهى الرئيس ميشال عون المرحلة الأولى من جولاته الخارجية المتعددة المحطات، والتي بدأها في الرياض وختمها في الدوحة، وعاد الى بعبدا بجعبة ملأى بالدلالات السياسية والاقتصادية والسياحية الواعدة، بل بكل ما يدعم صحّة خياره السياسي، عندما قرر الاطلالة على الخارج من البوابة السعودية الخليجية.
البعض في بيروت، ولاعتبارات تخصّه، ربط نجاح زيارة السعودية، بتحريك هبة السلاح للجيش، وزيارة قطر باطلاق مسعى جديد لكشف مصير العسكريين المحتجزين لدى الدواعش، لكن الأوساط الرسمية التي كانت تدرك طبيعة التعقيدات المحيطة بالهبة السعودية، وحجم صعوبات تواصل الجانب القطري مع مختطفي العسكريين التسعة، صوّبت الأنظار على ما هو بمستوى أهمية هاتين المسألتين، ألا وهو تطبيع العلاقات اللبنانية – الخليجية، بعد المرحلة الاستثنائية التي عبرتها. وتخللتها مواقف رسمية، على المستويين العربي والدولي، لا مسبوقة ولا، ربما، ملحوقة، والتي نجمت عن الارباك المتأتي عن انغماس حزب الله، في الحرب السورية.
أهم نتاج الزيارة الرئاسية المزدوجة، حصولها بالدرجة الأولى، وأولوياتها بالدرجة الثانية، والانطباعات التي كرّستها حول وجه لبنان وتوجهاته بالدرجة الثالثة والأخيرة، والتي تصبّ كلها في خانة الانتماء العربي، باليسر والعسر وعلى السرّاء والضرّاء، بدليل ان المحادثات التي أجراها الوفد الرئاسي في الرياض ثم في الدوحة، ركّزت على تخطي الرواسب الفائتة، وعلى التعاون والانفتاح وتعزيز العلاقات، الى جانب مقاربة الملفات السياسية والعسكرية المتصلة بالهمّ المشترك، الذي هو الآن، مواجهة الارهاب، المولود من رحم التعنّت والاستبداد، ثم وُظّف لخدمة المتعنتين والمستبدّين، حتى بات جزءا من منظومة القهر المسلّط على الناس في بلدان الخريف العربي الطويل، وذريعة تتخذ لسحق المعارضات الشعبية الباحثة عن حقّها بالحرية والحياة.
الانطلاقة الرئاسية اللبنانية الى الخارج من البوابة العربية الخليجية، كرّست أيضا التحرر من الارتباطات والتعهدات السابقة للرئاسة، القابضة على اليد والممسكة بالعنق، خصوصا ما يتعلق بالهوية الحقيقية للبنان، كما بالتزامات لبنان الدولية، وذلك بقدر ما كرّست اصرار العهد الجديد، على الاحتفاظ بحرية تحرّكه شرقا وغربا…
بعض الأوساط توقفت أمام الاهتمام الاعلامي الخليجي بالزيارة الرئاسية الى السعودية وقطر، والذي اتّسم بالترحيب المغلّف بالحذر الممكن استبيانه من تعليقات الصحف القطرية، التي اعتبرت انه لا بد من منح الثقة للرئيس اللبناني الجديد ميشال عون، للمتابعة بلبنان الى برّ الأمان، من خلال لمّ شمل اللبنانيين واعادة الوئام الى ربوع لبنان، مع تعزيز الاستقرار…
فهل نحن أمام فترة اختبار؟ هذا السؤال طرحه بعض المراقبين، لكن الواقع مختلف، فكما ان في لبنان، من أنستهم الظروف، مشيتهم، فأضاعوا الطريق التقليدي، فان في بعض العواصم العربية، ممن اعتادوا على المواقف اللبنانية غير المتجانسة من القضايا القومية، عدا منها المتصلة بالعداء لاسرائيل، وبالتالي بات عليهم ان يعوّدوا أنفسهم على النمط اللبناني المستجد والمتعاون، وحسب علماء النفس، فان تغيير العادات يتطلب زرع عادات بديلة، والمؤسف ان العقل ينقاد الى ما تعوّد عليه، وللانسان من دهره ما تعوّد عليه، والعادة الأصيلة هي الطبع والطارئة هي التطبع لذلك يقال: الطبع يغلب التطبع…
بمعنى آخر، يمكن القول ان العلاقات اللبنانية – الخليجية، هي الآن في مرحلة العودة الى العادات الأصيلة، الى بناء الثقة مع الأشقاء، من قبل حكومة استعادة الثقة وعلى الربان ان يضبط حركة الملاّحين عندما يكون البحر عاصفا…