كل يوم يمرّ يتأكّد للبنانيين بأكثريتهم الساحقة، أكثر من أي وقت مضى أن دولتهم العليّة مصادرة من دولة إيران بواسطة حليفها وربيبها حزب الله، ويكون ممالئاً وواهياً مَنْ يعتقد بأن الدولة ما زالت تتمتّع باستقلاليتها وسيادتها على كل أراضيها وبقرارها الحرّ السيّد المستقل.
فمنذ حرب تموز سيطر حزب الله على كل مرافق القرار في الدولة، وتصرّف منذ ذلك التاريخ على أساس أنه هو الحاكم المسيطر ولا كلام يعلو فوق كلامه، لا في السياسة الداخلية ولا في السياسة الإقليمية والدولية، حيث شلّ حكومة فؤاد السنيورة آنذاك باحتلاله وسط العاصمة ومحاصرة السراي الكبير رمز الدولة ومقر رئيس الحكومة، ومنعها من الإقدام على اتخاذ أي إجراء أو قرار إلا إذا كان له فيه مصلحة مباشرة وغير مباشرة، وعطّل السلطة التشريعية بقرار هميوني اتخذه حليفه رئيس مجلس النواب ومنعه من الانعقاد والتشريع قرابة السنتين وكان من أحد نتائج هذا التعطيل، غياب الرقابة والمحاسبة في كل قطاعات الدولة ومرافقها العامة ما أدى إلى انتشار الفساد وتعميمه بما ليس له مثيل في كل دول العالم، فتحوّلت الدولة إلى مزرعة أو إلى حارة كل مين إيدو إلو على حدّ المثل اللبناني الدارج الذي أطلق في أيام الإقطاع وفي عهد السلطنة العثمانية.
ولم يتوقف الأمر عند هذه الحدود بل استمر حزب الله المدعوم من حكومة طهران في سياسة وضع اليد بالكامل على الدولة حتى السابع من أيار 2009 وما بعده، وما بعد اتفاق الدوحة الذي جاء كنتيجة لهذا اليوم المشؤوم في تاريخ لبنان وما بعده بأقل من سنة ونصف السنة حيث قرّر الحزب إقالة رئيس حكومة الوفاق الوطني التي تشكّلت بعد الاتفاق وهو يهمّ بدخول البيت الأبيض مقرّ رئيس جمهورية أكبر دولة وهي الولايات المتحدة الأميركية وكان له ما أراد فأقصى رئيس الأكثرية النيابية وجيء بغيره إلى رئاسة الحكومة بعد صباح يوم القمصان السود الذين أجبروا بعض الكتل النيابية ونذكر على سبيل المثال لا الحصر كتلة اللقاء الوطني التي يترأسها الزعيم وليد جنبلاط على سحب تأييدها للرئيس سعد الحريري وتسمية الرئيس نجيب ميقاتي لكي يحصل على الأكثرية النيابية وتصير تسميته لتشكيل الحكومة دستورية وشرعية على حدّ التعبير اللبناني، وكان من نتيجة ذلك أن أطبقت طهران بواسطة حكومة حزب الله يدها بالكامل على الدولة وأدخل لبنان الذي يفترض به التزام الحياد طرفاً في أزمات المنطقة، بدخول الحزب في الحرب التي تجري منذ أربع سنوات على الأراضي السورية داعماً لنظام ديكتاتوري فاشي قتل ويستمر في قتل الشعب السوري بكل أنواع الأسلحة الفتّاكة الآتية من طهران وموسكو، وبشكل آخر أصبح الحزب هو القابض على الدولة، حيث عطّل إنتخاب رئيس لها، وشلّ الحكومة، ومنع مجلس النواب من التشريع كما فعل بعد السادس من أيار 2006، وهو لا يزال حتى الآن مستمر في سياسة مصادرة الدولة لمصلحة إيران وتقوية نفوذها وسيطرتها على الإقليم من خلال إمساكها بمعظم الأوراق ومنها الورقة اللبنانية، ولما كانت وصلت إليه الأوضاع في هذا البلد إلى ما وصلت إليه الآن من استمرار الشغور في رئاسة الجمهورية وتعطيل للحكومة ولمجلس النواب، ومن استباحة لمؤسسات القطاع العام وقيام بؤر أمنية في مناطق نفوذه الأساسي وانعدام كل هيبة للدولة إلا أدلّة قاطعة على هذه المصادرة الإيرانية للدولة.