في المرحلة المقبلة، على «داعش» و»النصرة» أن يذهبا إلى خيارات حاسمة، من العراق إلى سوريا ولبنان. لكنّ الحسم ليس سهلاً على التنظيمَين. فصراع الإستخبارات الإقليمية يعصف بهما من الداخل.
ثمّة قوى إقليمية مؤثّرة ساهمت في خلق «داعش» و«النصرة»، أو نموِّهما في بعض المراحل. وما جمعها هو المصلحة المشتركة في إسقاط نظام الرئيس بشّار الأسد. لكنّ هذه القوى إنقلبت مصالحها، ونشبت بينها خلافات تفوق تلك القائمة بين أيّ منها ودمشق. فالعداء بين الأسد والسعودية لم يعد في الحدَّة إياها، وكذلك قطر وتركيا، فيما الصراع دائر بين «المثلث الذهبي» السابق للمعارضة السورية.
وتدور صراعات بين «داعش» و«النصرة» والجماعات الرديفة في سوريا، وداخل أجنحتها، في ظلّ فوضى إستخبارية عارمة. وهذا ما يرْبِكها في أماكن عدة، ومنها لبنان حالياً.
ووفقاً لمصادر مواكبة، ينتظر التنظيمان في لبنان ضوءاً أخضر لمرحلة ما بعد طرابلس. وسيتمّ تحديد الخيارات في هذه المرحلة بناءً على نتائج المفاوضات في شأن العسكريين المخطوفين. فهذا الملف عنوانُه المخطوفون، لكنّ «داعش» و«النصرة» أرادا أن يكون ورقة ضغط أو ربط نزاع مع لبنان، لمساومته في أمور كثيرة، أو إبتزازه.
وتعثّر التسوية في هذا الملف، لا يعبّر فقط عن مشكلة مع الجانب اللبناني، بل عن تنازع الإتجاهات داخل التنظيمَين، نتيجة الصراع الدائر بين القوى الإقليمية الداعمة، أو تلك التي تولَّت الدعم في بعض المراحل. وهذا الصراع بين الأجهزة يوقِع التنظيمَين في الإرباك في لبنان، كما في سوريا والعراق.
فهذه القوى قدَّمت الدعم المالي والتغطية السياسية والدينية لهما عندما كان المطلوب إعطاء جرعة كافية لأجنحة المعارضة السورية كي تتمكّن من إسقاط الأسد. وثمّة تعاون وثيق جرى بين قادة الأجهزة الإستخبارية في الدول الثلاث حول سوريا.
وخلال هذه المرحلة، إضطُر السعوديون إلى دعم «الإخوان المسلمين»، كما سائر أجنحة المعارضة السورية، على رغم تحفظهم الشديد، ورفض الإستخبارات الإماراتية والكويتية لهذا الدعم. ولكن، بعد وصول «الإخوان» إلى السلطة في مصر، والتأكد من أنّ الأسد لن يسقط، إقتنع السعوديون بوجود مَخاطر، وخافوا أن يرتدَّ «الإخوان» على أنظمة عربية أخرى، ولا سيما الأردن ودول الخليج.
وبعدما دعمت السعودية وصول المشير عبد الفتاح السيسي إلى السلطة وإسقاط «الإخوان»، إقترب موقفها إزاء سوريا من الموقف المصري، أيْ الحياد. وثمّة حديث عن وساطة مصرية مع السعودية لتسويةٍ في سوريا، تراعي إستمرار الأسد. وهذا الموقف يستثير قطر وتركيا.
ويخشى الأتراك أن يتعرَّضوا لضربة جديدة، على غرار الضربة التي تلقوها بإسقاط «الإخوان» في مصر. وهم يتّهمون السعودية باللعب على التناقضات السورية، والتضحية بالمعارضة، من أجل بسط النفوذ هناك. وأما السعوديون، من جهتهم، فلا يخبِّئون خوفهم من كون الأردوغانية هي النسخة التركية من «التيار الإخواني».
ومع تبدُّل المواقع والأدوار، تشتدُّ الصراعات بين «داعش» و«النصرة» وأجنحتهما المخروقة إستخبارياً. وثمّة مَن يعتبرها صراعات بالوكالة عن الأجهزة الإستخبارية، وتتداخل فيها عوامل المال والسلاح والمصالح السياسية.
وقد يكون مناسباً القول إنه الصراع في وجه الوهّابية القَطَرية. فالمسألة هنا ليست عقائدية أو فقهية، بل هي صراعية ذات أبعاد إستراتيجية. ولا تبدو قطر خائفة من «داعش». أما السعودية فخائفة، وكذلك تركيا التي يهمها أن يبقى دعمها للقوى الإسلامية محصوراً بالنطاق الجغرافي السوري، فلا تجد نفسها فجأة أمام دولة الخلافة الإسلامية عند حدودها، أو إمارةٍ إسلامية داخل هذه الحدود.
لقد تعاونت إستخبارات معيَّنة لخلق «داعش» وأخواتها. وربما ستخنقها هذه الإستخبارات، إذا قرَّرت التعاون على ذلك. ولكن، أليس هناك أجهزة إقليمية أخرى ربما تقوم اليوم بدعم «داعش» وأخواتها في شكل غير مباشر، أو هي جاهزة لتلقُّفها وتأمين إستمرارها، لأن لا بديل منها لتنفيذ المخططات في الشرق الأوسط؟