Site icon IMLebanon

من النزاع على القرار في لبنان إلى إدارته قانونيّاً ودستوريّاً

 

 

يُدرج علم السياسة في أحد أبوابه فصلاً عن «إدارة النزاع «، وغالباً ما يكون هذا النزاع قائمًا بين مجموعة من الناس أو بين دول متجاورة. ووفق علم الديبلوماسية المُكمِّل للعلم السياسي هناك حاجة ماسّة ورغبة جامحة في إيجاد حل للنزاع القائم وهما أمران طبيعيان لدى العلمين. في الديبلوماسية تحاول الدول عبر وزرائها أو سفرائها إيجاد المخارج لهذا النزاع بطرقٍ مختلفة وذلك لتوفير حياة مستقرّة ومجتمع مُسالم وحياة سليمة.

النزاع في لبنان أمر ملموس وأسبابه كثيرة ومتشعبّة، وإدارته على المستوى الداخلي أمر مفروغ منه لأسباب عدة أهمها انحدار المستوى الخُلُقي والوطني لبعض الذين يُمارسون النشاط السياسي وهم في غالبيتهم أتوا إلى السلطة بموجب تسويات على حساب الديموقراطية، إضافةً إلى تعدُّد الولاءات وفقدان الصدقية الوطنية.

النزاع في لبنان ليس فقط على تعطيل الإستحقاق الرئاسي بل يتعدّاه إلى أمور عدة تنظيمية وأبرزها عدم احترام الدستور اللبناني والقوانين المرعية الإجراء والقرارات التي صدرت عن مجلس الأمن في ما خصّ الأوضاع العامة في البلاد.
النزاع في لبنان هو بين مجموعات متناحرة غير منسجمة توالي الخارج لا الداخل، سيطرت على لبنان بواسطة سلطة الأمر الواقع المتمثلّة بتدفق السلاح غير الشرعي وفائض القوة لدّى مَن استأثروا بالسلطة، منذ إقرار قانون الإنتخابات الرقم 44 الصادر في 17 حزيران 2017 في العدد 27 من»الجريدة الرسمية» .
على نطاق أوسع إنّ النزاع في لبنان بدأ ينعكس سلبًا على محيطه العربي والدولي وهو على ما يبدو عملية تفاعلية تتجلّى في عدم التوافق على إدارته داخلياً ـ إقليميًا ـ دولياً، وهذا النزاع إنْ لم توجد النيّة لِحلّه ستَنشأ مشكلات جمّة يصعُب التكهُّن بنتائجها وحتمًا هي كارثية. إنّ النزاع على القرار في لبنان معقّد سيدوم طويلاً إنْ لم تعُالج أسبابه، وتعود جذوره الى النزاعات والإحتلالات والتنازلات السياسية في كل المراحل الإستقلالية، وبسبب التدخلات الخارجية وتأثيرها على القرار اللبناني.
إنّ الساحة اللبنانية تستوعب أكثر من طرف لاعب على مسرحها وهي تتقاتَل ضمن محاور شخصية لا وطنيّة، وتتمثّل في الموجودين في المجلس النيابي الحالي الفاقد الصبغة الديموقراطية حيث بلغ العدد الإجمالي للناخبين في آخر انتخابات نحو 3.967.507 ناخباً وكانت نسبة المشاركة 41%، حيث توّزعت خريطة الفائزين عمومًا بين القوى التقليدية التي تمثِّل جزءًا من نظام المحاصصة الطائفي، وهذا يدل الى أنّ طريق الديموقراطية في لبنان مسدودة وأبرزت صورة معاكسة عن ممارسة العمل الديموقراطي. إنّ الإنتخابات النيابية أفرزت أمرًا واقعًا مريرًا أقْعَـدَ ممارسة العمل السياسي وانقسمت الحالة السياسية بَين:

ـ أولاً، ما بين «حزب الله» المدعوم من إيران ومناصريه.
ـ ثانياً، بين من يدّعون المعارضة وهم علمياً فئات متخاصمة غير منسجمة متقاتلة.
ـ ثالثاً، مجموعات تدّعي التقيّة السياسية وهي في غالبيتها إقطاعية ديكتاتورية.
ـ رابعاً، النفوذ الإقليمي على لبنان المتمثِّل بقبضة الجمهورية الإسلامية الإيرانية بواسطة وكيلها «حزب الله» ومناصريه.
عموماً إنّ أطراف النزاع في لبنان متمايزون بعضهم عن بعض تمامًا وكل تحالفاتهم تتميّز بالإنحناء للغريب وليس حماية لبنان.
عملياً ونظرًا لغياب الإستراتيجية اللبنانية ـ العربية ـ الدولية ومع تزامن النزاع الدائر بين المنظمات الفلسطينية الموالية لإيران مع دولة إسرائيل، شهدت الساحة اللبنانية مجالاً جيوسياسيًا معقدًا ومتشابكًا، تضيق في إطاره اهتمامات الأنظمة السياسية سواء أكانت عربية أو دولية، والمطلوب اليوم إدارة النزاع بالطرق الدبلوماسية ـ القانونية ـ الدستورية للحفاظ على جغرافية حدوده ونظام لبنان السياسي.
ولأنّ متطلبات الجغرافيا السياسية، والمتطلبات الأمنية، ودور لبنان ومكانته في المشرق العربي والعالم وانطلاقاً من اعتبارات تاريخية وأيديولوجية تصبّ في العقيدة السياسية الديموقراطية للنظام السياسي اللبناني، فإنه باتَ من المُلزم ولادة مهمّة ديبلوماسية تحمل في طياتها حقيقة إيجاد مخرج لهذا النزاع الدائر على الأرض اللبنانية، وبما أنّ هذا النزاع في أصله هو نزاع سياسة تمدُد تُخالف مندرجات القانون الدولي حيث ساد اعتقاد بأنّ الأهداف التي تتوخّى إيران تحقيقها باتت خطرة جداً. وعليه، فإنّ هذا النزاع إتخذ نمطًا صلبًا يفتقد لأي شكل من أشكال المرونة السياسية. من هنا الدعوة الى إطلاق مبادرة ديبلوماسية لإدارة هذا النزاع وفقاً للآلية الدستورية اللبنانية ولعضوية لبنان في جامعة الدول العربية ومنظمة الأمم المتحدة.

يمكن التعويل على المبادرة التي يقوم بها سفير المملكة العربية السعودية وليد البخاري لأنّ في إمكانها أن تُنتِج استقرارا نسبيا لفترة زمنية انتقالية، وبمجرد أن تتغير العوامل التي أدّت إلى هذا النزاع يدخل لبنان في مرحلة من التعافي تبدأ بانتخاب رئيس جديد للجمهورية من حيث إعادة تكوين السلطة دستورياً والتوافق على مرجعية سنُيّة سياسية مؤهلة لتأدية دور محوري وإنقاذي وتنسيقي مع الرئاستين الأولى والثانية وتشكيل حكومة يكون وزراؤها متخصصون في شؤون وزاراتهم، ويعملون كلّ من مركزه على عدم إقحام لبنان في سياسة المحاور وإبقائه في منأى عن تداعيات النزاعات في المنطقة.