هل ترتبط آلية اتخاذ القرار في مجلس الوزراء بملفات اقتصادية، تساهم في تعقيد امكانية التوافق على آلية جديدة؟ وهل صحيح ان مصالح مالية خاصة هي التي تفرز الاطراف السياسية بين مؤيد لتغيير آلية اتخاذ القرار في غياب رئيس للجمهورية، وبين رافض لأي تغيير في الآلية، قبل انتخاب رئيس للبلاد؟
منذ أن طُرحت فكرة تبديل الآلية التي جرى التفاهم عليها في غياب رئيس للجمهورية لاتخاذ القرارات داخل الحكومة، برزت خلافات حكومية، فرزت على اساسها القوى السياسية بين جبهتين: جبهة تؤيد تغيير آلية الاجماع لمنع تبادل الفيتوات بين الوزراء، وعرقلة اتخاذ القرارات، وجبهة تصر على الآلية كما هي لبقاء الضغط قائما في موضوع انتخابات الرئاسة، ولمنع تمرير قرارات قد تكون جاهزة، وتنتظر تغيير الآلية لكي يتم إقرارها.
في الموضوع السياسي المرتبط بملف انتخابات رئاسة الجمهورية، المواقف شبه واضحة ومعلنة. يؤكد الفريقان، من يؤيد تغيير الآلية ومن يتمسك بها، حرصهما على ضرورة تسريع اجراء انتخابات الرئاسة. وبالتالي، لا يوجد خلاف في الجوهر، بل في الشكل، ظاهريا على الاقل.
لكن الخلافات الحقيقية قد تكون في مكان آخر له علاقة بملفات اقتصادية حساسة، تطرح حولها علامات استفهام كثيرة مثل ملف النفط، وملف موازنة العام 2015، التي تنتظر إدراجها على جدول اعمال مجلس الوزراء.
في ملف النفط، يثير وزراء في مجالسهم الخاصة هذا الموضوع وكأنه شُبهة اكيدة، على اساس ان هناك اطرافا سياسية تريد تسهيل اتخاذ القرار لتمرير هذا الملف بالطريقة التي تخدم مصالحها الخاصة.
ويؤكد وزير ينتمي الى الفئة التي ترفض تغيير آلية اتخاذ القرارات في مجلس الوزراء، ان البعض يعتقد ان الوقت غير مناسب لاطلاق مناقصات التنقيب عن النفط على اعتبار ان الاسعار تراجعت، وتراجعت معها حماسة الشركات العالمية لتقديم العروض المغرية. هذا صحيح، لكن هذا الظرف قد يكون مناسبا اكثر للبعض لتلزيم التنقيب والاستخراج باسعار وشروط غير مناسبة للبنان، بذريعة ان الاسعار متدنية، وانه ليس في الامكان افضل مما كان.
وهكذا يستطيع هؤلاء ان يستدرجوا شركات تفرض شروطها على البلد، وتستحوذ على قسم كبير من الايرادات بذريعة الاسعار. ومن البديهي ان هذه التسهيلات التي سيقدمها اطراف سياسيون قادرون على تمرير الملف في مجلس الوزراء، سيكون ثمنها باهظا، اي ان الرشوة التي سيحصل عليها المسهّلون ستكون كبيرة، وكبيرة جدا.
موازنة العام 2015
الى جانب هذا الموضوع، هناك مجموعة من الملفات الاقتصادية التي يريد البعض تمريرها من خلال تغيير آلية اتخاذ القرارات في مجلس الوزراء. على سبيل المثال، هناك حاليا موضوع موازنة العام 2015 التي رفعتها وزارة المال الى الحكومة، وهي مودعة الامانة العامة بانتظار ان تُدرج على جدول اعمال الحكومة لمناقشتها واقراراها.
لكن من المستبعد ان يتم هذا الامر، لأنه لن يكون في الامكان الاتفاق على الموازنة من دون رفع سقف الانفاق، وزيادة مزاريب الهدر. اذ من المعروف في مناقشة الموازنات ان كل وزير يحاول دائما ان يرفع حجم ميزانية الحقيبة التي يتولاها.
هذه النقاشات، وفي الايام العادية، كانت تثير خلافات حادة، خصوصا ان كل وزير، وكلما زاد موازنة وزارته، زاد منسوب نفوذه وقدرته على ارضاء ازلامه، وفرص هدر المال العام.
واذا كانت النقاشات في الاوضاع العادية تنتهي الى تسويات مقبولة من الجميع، فان السؤال كيف ستنتهي النقاشات اليوم، اذا كان كل وزير يملك حق الفيتو، ويستطيع بالتالي ان يمارس الابتزاز من اجل تكبير حصته في الموازنة.
هذا الموضوع يبدو الاكثر حساسية حاليا، لأن الحكومة مُحرجة، ولا تريد ان تضع مشروع الموازنة على جدول الاعمال ليتبين لاحقا انها عاجزة عن التوافق حولها لرفعها الى المجلس النيابي كما تقتضي الاصول. مع الاشارة الى ان الحكومة لم تتوافق بعد على صيغة مشتركة لكيفية التعاطي مع الوفر المالي الذي تأمّن للخزينة جراء تراجع اسعار النفط. ويتبادل الوزراء الاتهامات غير العلنية، في هذا الشأن.
ويقول البعض ان التوجه العام يميل نحو الابقاء على هذا الوفر في الخزينة من دون قرار محدّد في كيفية استخدامه، لأن ذلك يسهّل على المتربصين بالمال العام توزيعه بالطريقة التي تناسبهم لكي تبتلعه بالوعة الهدر التي تفتك بالمالية العامة منذ سنوات طويلة بلا رقيب او حسيب.
في الختام، يعتقد المصدر الوزراي نفسه، ان رئيس الحكومة تمام سلام لا علاقة له بالملفات الاقتصادية المشبوهة، وموقفه في طلب تغيير آلية اتخاذ القرارت في مجلس الوزراء تختلف عن أهداف افرقاء آخرين لا يرون في الدولة سوى مصدر مُشرّع الأبواب لتحقيق المكاسب المالية، وتأمين المصالح الشخصية، في كل الاتجاهات.
ويختبئ هؤلاء وراء نظرية ان الاجماع المطلوب لاتخاذ القرارات داخل مجلس الوزراء يعطّل العمل الحكومي، لكي يطرحوا فكرة التغيير، وهم في الواقع لا يأبهون للتعطيل بل ينشدون الافادة من مجموعة مشاريع جاهزة للتنفيذ، ولن يتمكنوا من اقرارها من دون تغيير هذه الآلية.