IMLebanon

صراع أدوار وأحجام  داخل مأزق عميق

أزمة قانون الانتخاب أعمق بكثير من الظاهر على السطح في الخطاب السياسي اليومي. ولا حلّ لها بالمعنى الجذري، ولو دفعت الظروف والحسابات الضاغطة في اللحظة الأخيرة الى تفاهم بالاضطرار على صيغة قانون سواء حسب النظام الأكثري أو النسبي أو المختلط. فهي فرع من أصل ثابت اسمه أزمة نظام كان ولا يزال حلها مهمة مستحيلة نتحايل عليها بخداع النفس والتسليم بأن التعايش مع الأزمة هو الحل. وهي بالطبع سابقة للشغور الرئاسي، وليست مرتبطة، كما يقال، بما لم يكتمل في التسوية التي جاءت بالعماد ميشال عون الى القصر الجمهوري والرئيس سعد الحريري الى السراي.

ذلك ان البحث في قانون الانتخاب لا يزال يدور خارج المؤسسات والمسؤولية الفعلية. والمنطق السائد في البحث يدار اما بتصور خاطئ وإما بتخطيط خطر. الأول هو الحرص على قانون يرضي الجميع بالجملة والمفرّق ويجعل من المجلس النيابي لويا جيرغا على الطريقة الافغانية. والثاني هو اختصار كل شيء بصراع الأدوار والأحجام خارج البرامج السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية. وليس هناك قانون انتخاب يرضي الجميع حتى بالتفاصيل، لأن تفصيل قانون على قياس كل طرف ثم تجميع القياسات في ثوب واحد أصعب من مهمة أكروبات يلعب بعشر كرات. وليس صراع الأدوار والأحجام في الوضع الحالي سوى دوران داخل مأزق النظام وأزمة حراس النظام، إذ هو مجرد قتال بالسلاح الابيض خارج السياسة بمعناها النبيل كفن ادارة شؤون الناس.

ثم ماذا عن الهرب من مفهوم الدولة والتمسك بمفهوم السلطة العارية؟ ماذا عن تزوير العيش المشترك بالتركيز على الصفاء الطائفي والمذهبي، بحيث يكون لكل مذهب نوابه الذين يأتي بهم الناخبون من المذهب نفسه؟ ماذا عن التحايل على التعددية باسم الحرص على التعددية لفرض نظام انتخابي يكرّس طغيان العددية من دون تجاوز الطائفية، وسط أكبر تشنج طائفي ومذهبي مفتوح على ما يضرب المنطقة من تيارات متطرفة ارهابية تكفيرية وما يدور فيها من حروب وصراعات جيوسياسية يبرز فيها الطابع المذهبي الى جانب الطابع الاقليمي والدولي؟ وماذا عن البلد – الرسالة حسب البابا الراحل يوحنا بولس الثاني، اذا ضيعنا الرسالة وصار البلد ضائعا عن نفسه وتاريخه وثقافته؟

المفارقة ان كل المتصارعين على الأحجام والأدوار يعرفون من تجربة الانتخابات الماضية والتي سبقتها ان حيازة الأكثرية ليست ضمانا للامساك بالسلطة، ان لم تكن نوعا من تمارين في العبث. وكل الذين يتصورون ان الخيارات أمامهم مفتوحة ومتعددة، مهما ضاقت المهل، يعرفون ان الخيار محدود ما دام التمديد مرفوضا والفراغ خطيرا: قانون جديد ولو لم يرض الجميع، أو تطبيق قانون الستين، ولو شيطنه الجميع.