IMLebanon

صراع «أمن الدولة»: الطائفية سلاح قرعة الأمضى

لم يترك المدير العام لجهاز أمن الدولة اللواء جورج قرعة حيلةً إلّا توسّلها للإيحاء بأنّ حرباً تُشنّ ضده، ومن خلفه ضد الطائفة الكاثوليكية التي ينتمي إليها. جرّب كل الوسائل. تارةً يوحي بأنّه مستهدفٌ من قوى ٨ آذار، وتارةً أُخرى يلجأ إلى «البُعبع» المذهبي، زاعماً أنّ «الشيعة» يحاولون الاستيلاء على حصّة «الكواتلة».

وعادى في سبيل تعنّته رئيس الحكومة تمّام سلام، الوصي على هذا الجهاز بوصفه نائب رئيس المجلس الأعلى للدفاع.

لا تزال كيدية اللواء قرعة تعطّل صرف المصاريف السريّة منذ سبعة أشهر. أوقف صرف بدلات السفر والصيانة وباقي المخصصات لأن معاملات المديرية التي تُرسل إلى وزارة المالية لا تحمل توقيعي المدير ونائبه، وإنما أحدهما. ورغم أنّ المسؤولية يتحمّلها هو، استخدم ذلك للقول إن وزارة المالية التي يتولاها وزير من حركة أمل تمنع المال عن «أمن الدولة»، لأنّ الحركة تأخذ جانب العميد الطفيلي ضده، وقد عطّلت هذه الكيدية تشكيلات الضباط. ورغم أن إقرارها يحتاج الى اجتماع مجلس القيادة (المدير ونائبه)، إلا أنه بات يستعيض عنها بقرارات فصل. الى ذلك، ورغم مرور أكثر من سنة على إجراء امتحانات تطوع في المديرية، لم تُفرج قيادة الجهاز عن نتائج آلاف المرشحين الذين لا يزالون ينتظرون مزاج المدير العام ونائبه لإعلان نتائج الناجحين في دورة تطويع ٥٠٠ عنصر جديد. لماذا؟ لأنّ مزاج المدير العام معكّر ولم تنجح جميع الوساطات في إرضائه.

حتى يوم الجمعة الماضي، كان قرعة يُصرّ على عدم الاعتراف بصلاحيات نائب المدير، فضلاً عن أنّه يسعى جاهداً لإضفاء بُعد طائفي على كل المشاكل. وفي كل تجاوزاته، يختبئ خلف طائفته، ثم يوعز إلى كبار الضباط الذين ينتمون إلى طوائف محددة بمقاطعة نائب المدير بعد تحميله مسؤولية استهداف طائفتهم. ومعظم ممارسات قرعة تتسم بالطائفية، كمناقلات الضباط التي يجريها (يتّهم ضباط في المديرية ووزراء المدير العام لأمن الدولة بتعيين عدد من الضباط في مراكز حساسة بالاستناد إلى معيار وحيد هو الانتماء الطائفي للمعيَّنين).

كيدية المدير تعطّل صرف المصاريف السريّة منذ سبعة أشهر

وبعدما استعر الخلاف بين المدير ونائبه، انكفأ النائب ابراهيم كنعان عن الوساطة، ثم فشلت مساعي مستشار الرئيس نبيه برّي، أحمد بعلبكي، في «فكفكة شيفرة» خلاف قرعة ــ الطفيلي. عندها خرج الخلاف إلى العلن إعلامياً. غزارة التسريبات الإعلامية لم تكن مسبوقة. أحدها وصف مديرية أمن الدولة بـ«أسيرة في قبضة قوى ٨ آذار عبر ممثّلها العميد محمد الطفيلي». أوحت التسريبات كأنّ هناك ضابطاً جبّاراً يوجّه المسدس إلى رأس قرعة، وأن الأخير مغلوبٌ على أمره ولا حول له ولا قوة. أغفلت جميع التسريبات تجاوزات قرعة للقانون لتصوّب باتجاه الطفيلي، بشكل لا يدع مجالاً للشك بأنّ الجهة التي تقف خلف التسريب تدور في فلك قرعة. كل التسريبات كانت للضرب بنائب المدير والتشهير به للإيحاء بأنّ حقوق المسيحيين تُهدر بسببه. وقد تردد في هذا الإطار اسم العميد بيار سالم، أحد أبرز الضباط المقرّبين من قرعة و«الدينامو» المقرّب من معظم وسائل الإعلام، كمسؤول عن «ماكينة التسريبات».

في تلك الأثناء، تحرّك نائب رئيس المجلس الأعلى لطائفة الروم الكاثوليك الوزير ميشال فرعون في أكثر من اتجاه للسعي الى حلحلة الخلاف العالق. فمنّى قرعة النفس بأن ينتهي التصعيد لمصلحته، قبل أن يبلغ مسامعه أن فرعون يسوّق اسماً كاثوليكياً بديلاً منه للحل في أمن الدولة، فجُنّ جنونه. وقد جرى تداول اسم مدير فرع استخبارات بيروت العميد جورج خميس بديلاً لقرعة على رأس مديرية أمن الدولة. تزامن ذلك مع نضوج المساعي التي أطلقها الرئيس سلام. فخلال جلسة مجلس الوزراء الأسبوع الماضي، طُرحت مشكلة مديرية أمن الدولة. قضية «الصراع الأزلي» بين ضابطين التي تُعطّل عَمَل جهازٍ تكاد تكون إنتاجيته معدومة. يومها علّق رئيس الحكومة بأن لا مشكلة لديه بتعيين بديلٍ للواء قرعة، لافتاً إلى أنه لا توافق في هذا الشأن بعد. ثمّ أخذ على عاتقه حلّ القضية العالقة، فأرسل مستشاره محيي الدين سلام ليجتمع بكل من قرعة والطفيلي. خلاصة هذا الاجتماع كانت إطلاق مبادرة تهدف إلى حل ثلاث مسائل عالقة: ١) فصل وتشكيل الضبّاط، ٢) قسم الاستعلام التقني أو فرع التنصّت، ٣) البريد الاستعلامي. وقد اتُّفق على أن تُجرى التشكيلات بموافقة المدير ونائبه. وتحرير قسم الاستعلام التقني أي أن لا يكون محصوراً بالعميد سمير البستاني ليُسمح لضابط مقرّب من العميد الطفيلي بالاطلاع على ما يجري فيه. والمسألة الأخيرة إطلاع الطفيلي على البريد الاستعلامي الذي كان يُخفى عنه سابقاً. وبناءً على مبادرة سلام، وافق الطفيلي وقرعة على الاجتماع لمحاولة حل الأزمة المستفحلة بينهما. أما الاختبار العملي لمفاعيل الاتفاق، فيُنتظر أن يظهر غداً، الموعد الأسبوعي المحدد لاجتماع مجلس القيادة. (مجلس قيادة أمن الدولة يجتمع يومي الثلاثاء والجمعة بحسب مرسوم تنظيم الجهاز الرقم ٢٦٦١). ورغم تفاؤل بعض المعنيين بالمديرية بإمكان التوصل إلى حل، تتحفّظ مصادر أمنية، معبّرة عن خشيتها من العودة إلى النقطة ذاتها: اجتماع جديد لا يقدّم ولا يؤخر، لتعود المديرية إلى جمودها المعتاد.