فيما بدأ الوزير جبران باسيل جولات مناطقية لتعزيز نفوذه وسط العونيين وترجيح ميزان القوى داخل التيار الوطني الحر لمصلحته، خلع القياديّ في التيار نعيم عون هو الآخر القفازات، وبدأ اجتماعات مكثفة، وغير معلنة، في اليومين الماضيين، حاسماً قراره بوقف اللف والدوران في الحلقة الفارغة نفسها، وتخيير العونيين بوضوح بين «مشروعين» أياً كان مصير الانتخابات الحزبية
في الشكل، تبدو انتخابات التيار الوطني الحر مجرد استحقاق تنظيمي يعني القلة العونية القليلة المنتسبة إلى حزب التيار. أما المضمون فيتعلق بقدرة الجنرال، أولاً، والعونيين، ثانياً، على استيعاب بعضهم بعضاً وتقديم نموذج مختلف عن كل التجارب الحزبية المسيحية السابقة. التحدي الرئيسي للعونيين اليوم ليس تزييت ماكينتهم الانتخابية أو تغيير بعض المنسقين، بل إطلاق مؤسسة حقيقية تقنع الرأي العام بقدرتها على الاستمرار أياً كانت الظروف.
عملياً، تشكلت في السنوات العشر الماضية مجموعتان داخل التيار الوطني الحر: الأولى يتقدمها صهر الجنرال الوزير جبران باسيل، وتضم منسق عام التيار بيار رفول ومسؤول النقابات إيلي حنا والوزيرين السابقين سليم جريصاتي وفادي عبود والوزير الياس أبو صعب والنواب نبيل نقولا وعباس الهاشم وجيلبرت زوين وعصام صوايا، ومجموعة كبيرة من رجال الأعمال المرشحين إلى الانتخابات النيابية، مثل أمل أبو زيد وجاد صوايا في جزين وجان أبو جودة وأكرم حلبي في المتن، إضافة الى ناشطين شغلوا في الأعوام القليلة الماضية مناصب رسمية وحزبية. أما الثانية فملتبسة الملامح، وهي تضمّ، مبدئياً، ابن شقيق الجنرال نعيم عون، والنواب سيمون أبي رميا وإبراهيم كنعان وآلان عون وزياد أسود، وغالبية المسؤولين سابقاً في لجان التيار الطلابية، ومرشحين إلى الانتخابات النيابية من خارج نادي رجال الأعمال، والعدد الأكبر من منسقي المناطق الحاليين والسابقين.
في السياسة، تسلّم المجموعتان بتحالفات الجنرال المحلية والإقليمية. المجموعة الأولى أوحت، بداية، أنها أكثر إيماناً بالتفاهم مع حزب الله من مجموعة النواب الذين كانت تجمعهم علاقة وطيدة بأفرقاء 14 آذار بحكم احتكاكهم السابق. إلا أن خلاف باسيل مع أقطاب أساسيين في قوى 8 آذار وانفتاحه على تيار المستقبل، تزامنا مع نجاح النواب العونيين في الخروج من الزاوية التي حوصروا فيها، موطّدين علاقتهم بالنائب سليمان فرنجية أولاً، وحزب الله ثانياً، والرئيس نبيه بري أخيراً. وعليه، لا خلفية سياسية مباشرة لتكوين المجموعتين اللتين تختلفان أساساً على:
أولاً، شكل التنظيم الحزبي، إذ تطالب المجموعة الثانية بإجراء انتخابات حزبية وإقرار نظام داخلي يسمح بمشاركة الجميع، فيما ترفض الأولى الانتخابات وتلحّ على الجنرال للاستمرار في استراتيجية التعيين والتفرد في الإدارة والتمديد، حتى لمن أثبتوا فشلهم التنظيمي.
ثانياً، معيار تولّي المسؤوليات، إذ ينتقد نعيم عون، علناً، انتقاء المرشحين إلى الانتخابات النيابية والوزراء وموظفي الفئتين الأولى والثانية على أساس ثرواتهم أو حجم تزلفهم بدل أن يكون ولاؤهم الدائم وحجم تضحياتهم هما الأساس. وهو يرى أن لدى التيار من الكفاءات ما يحول دون اضطراره إلى الاستعانة بمن يعتاشون من بيع الخدمات، حتى ولو كانوا يدّعون اليوم صداقة الجنرال.
لا خلفية سياسية للمجموعتين اللتين تختلفان على التنظيم الحزبي والمسؤوليات
عملياً تباعدت المجموعتان وتقاربتا مرات عدة في السنوات القليلة الماضية، حتى أنجز النظام الداخلي للتيار الوطني الحر قبل بضعة أشهر. ظن كثيرون أن خشية المجموعتين على مصيرهما المشترك ستتقدم في حساباتهما على مكسب هنا وخسارة هناك، خصوصاً أن رئاسة الحزب وضعت في عهدة العماد عون. وفي ظل النص التقدمي للنظام الداخلي الذي يضع التيار في مصاف لم تبلغها الأحزاب اللبنانية الأخرى، راهن كثيرون على نجاح العونيين في التقدم تنظيمياً إلى الأمام. إلا أن الأمور تعرقلت مجدداً، وانتقل المقربون من باسيل من الحديث عن خطورة إجراء الانتخابات إلى الحديث عن تأجيلها «ريثما تنضج الظروف»، وتعديل النظام الداخلي مجدداً بما يتناسب مع وجهة نظر باسيل من مختلف البنود، وتعيين منسقين جدد للإعداد للانتخابات المقبلة والإشراف عليها، إضافة إلى إفساح المجال أمام آلاف المنتسبين الجدد للمشاركة في الانتخابات. وفي موازاة إعداد باسيل الأرضية التنظيمية اللازمة للفوز في الانتخابات، يبدو واضحاً من جولاته المناطقية إعداده الأرضية الشعبية أيضاً. إلا أن الواضح أيضاً أن الفعل الباسيلي لن يبقى هذه المرة من دون ردّ فعل. فتطيير الانتخابات يمثل، بالنسبة إلى المجموعة الثانية، دليلاً إضافياً على رفض المجموعة الأولى مبدأ الشراكة، وعدم اقتناعها بقدرة العونيين على الالتفاف بعضهم حول بعض تحت سقف الديمقراطية الحزبية لبناء حزب قوي. وعليه، لا يفكر نعيم عون ــ على الأقل ــ في الوقوف متفرّجاً هذه المرة: يفترض بجميع العونيين أن يعلموا أن الانتخابات لم تعد تتعلق باختيار المرشح الأنسب لتنظيم التيار في هذه البلدة أو تلك، بل بموقف المرشح من سياسة التيار العليا: «يريد العونيون تأسيس حزب حقيقي أم لا يريدون؟ يريدون إبقاء المعايير الحالية لتولي المسؤوليات السياسية والحزبية والإدارية أم سيسعون لتغييرها؟».
وفي موازاة حماسة نعيم عون للحديث علناً عمّا يكبته منذ عشر سنوات، من دون المس من قريب أو بعيد بزعامة العماد ميشال عون، تبرز حماسة باسيل لقلب الطاولة المستديرة التي قرر الجنرال قبل بضعة أشهر إجلاسه وسائر زملائه في التيار حولها. كأن ما هو «شرعي وضروري ومؤقت» انهار دفعة واحدة، والمخيف أن كلاً من صهر الجنرال وابن شقيقه يشعر بأن تعايش المشروعين، كما كان يحصل منذ نحو خمس سنوات، لم يعد ممكناً، ولا بدّ من فصل المسار والمصير.
باسيل من عكار يحذّر من لعبة الحدود!
بعد قرى زحلة، جال وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل أمس في قرى عكّار، مطلقاً مواقف سياسية وإنمائية واجتماعية تعني الشمال عموماً وعكار خصوصاً، لناحية صرف مستحقات البلديات لدى الدولة اللبنانية. ومن دار مطرانية عكار وتوابعها للروم الأرثوذكس في بلدة الشيخ طابا، إلى بلدة منيارة، ختم باسيل جولته في منزل نائب رئيس مجلس الوزراء السابق النائب عصام فارس في بلدة بينو، وأكّد «أننا مطمئنون لبعضنا البعض داخل لبنان، وليس عندنا رهانات خارجية، لأن أي رهان على الخارج يسقط في الداخل». وحذّر باسيل من «لعبة الحدود»، قائلاً: «نعرف تماماً ما معنى الحدود، من عكار بالذات، نقول إن لعبة الحدود التي تُلعب من قبل اللبنانيين أو من لاعبين إقليميين أو دوليين، لا تعرض لبنان فقط للخطر، بل تعرض كل المنطقة للخطر. الدول تتفكك في المنطقة عند المساس بحدود بلد واحد، لن تبقى دولة على حدودها، وعدوى تفكك الدول ستنتقل إلى أوروبا».