Site icon IMLebanon

سياسات مُتضاربة بين «الفدرالي» والكونغرس

للمرّة الثالثة هذا العام، رفع البنك الإحتياطي الفدرالي أسعار الفائدة بعد تحسّن في المؤشرات التي يعتمدها لتقييم أسعار الفائدة. إلا أن مقارنة منحنى العائد (Yield Curve) بين بداية العام 2017 ونهايته، تُظهر تردّي توقّعات المُستثمرين. من جهة أخرى يأتي مشروع قانون خفض الضرائب ليُشكّل بداية أمل لنمو ناتج عن الماكينة الإقتصادية.

تُعتبر أسعار الفائدة المعيار الأساسي في الإقتصاد الذي يُقيّم من خلاله المُستثمر والمُستهلك عملياتهم الإقتصادية والمالية. وتُقسّم الفائدة بحسب المراجع العلمية إلى ثلاثة أقسام بحسب فترة الإستثمار (أو الإقتراض): قصيرة الأمد – أقلّ من سنتين، متوسّطة الأمد – ما بين سنتين وخمس سنوات، وطويلة الأمد – لأكثر من خمس سنوات.

وتأتي السياسة النقدية لتؤثر بشكل مباشر ورئيسي على أسعار الفائدة على الأمد القصير في حين أن توقعات المُستثمرين في ما يخصّ التضخّم هي التي تُحدّد أسعار الفائدة على الأمد البعيد. وبالتالي، هناك ثلاثة أشكال أساسية لمُنحنى العائد (Yield Curve):

الأول – منحنى تصاعدي أي أن سعر الفائدة يزيد مع الوقت. وهذا المُنحنى يعكس إقتصادا في حال جيدة.

الثاني – منحنى تنازلي، أي أن سعر الفائدة ينخفض مع الوقت وبالتالي فإن هذا المُنحنى يعكس حالة إقتصاد في أزمة.

الثالث – مُنحنى مُسطّح، أي أن سعر الفائدة هو نفسه مهما تغيّرت مُدة الإستثمار أو القرض، وهذا المُنحنى يعكس أيضًا حالة إقتصادية سيئة.

العوامل المُؤثرة

أحد أهم وأبسط النماذج العلمية المُستخدمة في شرح شكل مُنحنى العائد هي نظرية توقعات المُستثمرين في ما يخصّ التضخّم. هذه النظرية عبارة عن وصف لديناميكية التغير في شكل المُنحنى حيث يقوم المُستثمر بمقارنة أسعار الفائدة الآجلة قصيرة الأجل (Short Term Forward Rates) مع المعدلات الفورية (Spot Rates) التي سوف تسود في المستقبل والقيام بعمليات في الأسواق للإستفادة من الفروق إذا ما وجدت.

وبالتالي، إذا كانت التوقعات بأن أسعار الفائدة الآجلة قصيرة الأجل أعلى من توقعاتهم للمعدلات الفورية في المُستقبل، فإنهم سيعمدون إلى الإستدانة على الأمد القصير والإقراض على الأمد البعيد على أسعار الفائدة الفورية الحالية.

هذه العملية مقرونة بإستدانة بعد إنتهاء فترة الإستدانة الأولى بما يسمح لهم (في حال صدقت توقعاتهم) بربح الفرق.

هذا السلوك يؤدّي إلى رفع الفائدة على الأمد القصير وخفضها على الأمد البعيد مما يعني أن المُستثمرين لا يرون إستفادة من الإستثمارات الإقتصادية على الأمد البعيد أي بمعنى أخر أن توقعاتهم الإقتصادية هي تراجع الإقتصاد.

والطريقة نفسها، فإن توقعات المُستثمرين بأن أسعار الفائدة الآجلة قصيرة الأجل أقلّ من توقعاتهم للمعدلات الفورية في المُستقبل، ستُخفّض من سعر الفائدة على الآمد القصير وترفعها على الأمد البعيد أي أن ثقتهم بالإقتصاد عالية.

وبالتالي، فإن المصرف المركزي يُحاول التأثير على سلوك المُستثمرين في شأن توقعاتهم للفائدة الفورية المُستقبلية. وإذا كانت الأدوات التي يمتلكها المصرف المركزي هي للأمد القصير، إلا أن الفوائد على الأمد البعيد تبقى رهينة إقتناع المُستثمرين الذين وبحكم قانون الأعداد الكبيرة قادرون على تغيير منحى الإقتصاد.

مُشكلة الإقتصاد الأميركي

المُشكلة الأساسية التي تضرب الإقتصاد الأميركي حاليًا هي أن التضخم الحالي (2.65%) يبقى بحسب المُستثمرين وليد السياسة التمدّدية التي إعتمدها الإحتياطي الفدرالي وليس وليدة الماكينة الإقتصادية الأميركية البحتة.

وتوقعات العام 2018 هي نسبة تضخمّ 2.38% أي أقلّ من المستوى الحالي خصوصًا بعد رفع الإحتياطي الفدرالي سعر الفائدة للمرّة الثالثة هذا العام من 0.75% في أوائل الـ 2017 إلى 1.5% في 13 كانون الأول 2017.

وبالنظر إلى منحنى العائد بين 3 كانون الثاني 2017 و13 كانون الأول 2017، نرى أن المُنحنى فقد من تصاعده وأصبحت أسعار الفائدة على الأمد البعيد (2.74% على 30 سنة) أقلّ من أسعار الفائدة على نفس المُدّة (3.04% على 30 سنة).

من هذا المُنطلق، نرى أن الإحتياطي الفدرالي، وعلى الرغم من تحسّن المؤشرات الإقتصادية والمالية التي يعتمدها في تقييمه للسياسة النقدية، ضرب منحنى العائد أي أن النتائج جاءت عكس المُتوقّع.

جدير بالذكر أن المؤشر الأساسي الذي يستخدمه الإحتياطي الفدرالي لرفع الفائدة هي مؤشر البطالة حيث يتنظر تراجع في مستوى البطالة على أربعة فصول مُتتالية لكي يبدأ أو عملية رفع للفائدة.

إلا أن مؤشر التضخّم الذي من المفروض أن يعكس زيادة الطلب ليس على الموعد بالضرورة. من هنا يُطرح السؤال إذا ما كان هناك من إلزامية للإحتياطي الفدرالي لتعديل آلية تقييم سياسته النقدية.

خفض الضرائب… بداية أمل؟

يُحضّر الكونغرس الأميركي لمشروع قانون لخفض الضرائب بقيمة 1.5 تريليون دولار أميركي ستطال الأفراد والشركات بهدف تحفيز الإقتصاد. وبالتالي، نرى أن هناك تناقضا بين سياسة الإحتياطي الفدرالي الذي يُخفضّ من دعمه للإقتصاد الأميركي وبين الكونغرس الذي يُحضّر لدعم الإقتصاد.

وبحسب الإحتياطي الفدرالي، فإن خفض الضرائب سيؤدّي إلى نسب نمو لا يستطيع أن يتحمّلها الإقتصاد مع تضخم قد يكون كارثيا. من هنا، الخطوة الإستباقية للإحتياطي الفدرالي لرفع الفائدة حيث يستعد لردّات فعل سريعة في حال بدأ التضخّم الفعلي بالظهور.

لكن تفاصيل قانون الضرائب تُوحي بأن تداعيات خفض الضرائب على النمو الإقتصادي لن تكون على مُستوى توقعات الإحتياطي الفدرالي وبالتالي لن يكون هناك من رفع سريع للفائدة بل أن الخطّة التي وضعها في شهر أيلول 2016 سيستمر عليها.

وتُظهر تحاليل الإجراءات التي يقوم بها الإحتياطي الفدرالي أنه يتّبع طريقة ناعمة (Soft) في رفع الفائدة تفاديًا لأية إهتزازات مُتقطّعة في المُعطيات الإقتصادية والمالية خصوصًا أن توقعاته لنمو الإقتصاد الأميركي للعام 2018 هي في حدود الـ 2.5%. هذه التوقعات مُغايرة لتوقعات الإدارة الأميركية التي تتوقع نسبة نمو 4% نتيجة خفض الضرائب.

التضخّم.. حرارة الإقتصاد

إن الصعوبة التي يواجهها الإحتياطي الفدرالي في رفع التضخّم في الإقتصاد الأميركي تؤدّي إلى نتيجة ألا وهي أن التضخم العالي أو المُنخفض هو قاتل للنمو الإقتصادي. وبالتالي، يُمكن تشبيهه بحرارة الإنسان حيث أن حرارة مُرتفعة أو مُنخفضة تؤدّي إلى مقتل الإنسان.

من هنا يظهر التحدي الجديد أمام النظريات الإقتصادية وأمام السلطات النقدية ألا وهو كيفية التحكّم بالتضخّم إرتفاعًا أو إنخفاضًا. وإذا كانت النظريات والمُمارسات تُسيطر بشكل شبه كامل على كيفية خفض التضخّم، إلا أن هناك عدم قدرة كافية على رفع التضخّم الناتج عن الماكينة الإقتصادية أي أن طبع العملة والسياسية التمدّدية للمصارف المركزية تُشبه رفع حرارة الإقتصاد بشكل إصطناعي.

يبقى القول أن واقع لبنان مُختلف عن واقع الولايات المُتحدة الأميركية على صعيدين: الأول يطال حجم الإقتصاد والثاني حجم الإحتياطي من العملات الأجنبية، لذا نرى أن لدى مصرف لبنان قدرة عالية على التحكّم في تحفيز النمو الإقتصادي.

وتُظهر تحاليل خطابات حاكم مصرف لبنان المُتميّزة بثقة عالية، أنه ينتظر من السلطة السياسية خطّة واضحة للجم العجز وبالتالي الدين العام لكي يقوم بإجراءات كفيلة برفع النمو بنسب عالية.