تضارب الاولويات الاميركية والتركية في سوريا يفسر الى حد كبير الغموض الذي يكتنف الاتفاق الاولي بين البلدين على سبل مواجهة قوات تنظيم “داعش” في شمال سوريا. الاولوية الاميركية (الاولى والاخيرة ربما) هي مكافحة “داعش”، وليس مواجهة نظام الاسد. الرئيس أوباما كان ولا يزال يعارض اقامة منطقة آمنة للمدنيين، أو فرض حظر طيران يضطره الى مواجهة قوات النظام اذا هاجمت مثل هذه المنطقة براً أو جواً.
الاولويات التركية مختلفة تماماً: الهدف الآني هو منع سيطرة القوات الكردية السورية على أي مناطق تضطر “داعش” الى الانسحاب منها، والتنسيق مع واشنطن للتصدي لـ”داعش” (وخصوصاً بعدما نقل “داعش” عنفه الانتحاري الى الاراضي التركية)، ولكن فقط من أجل تحقيق الاولويات الاخرى لتركيا مثل نقل اللاجئين السوريين الى هذه المنطقة، والتصدي لقوات النظام، لإرغامها على الانسحاب من حلب ومحيطها.
الواضح حتى الان من “الاتفاق” هو انه سمح للطائرات الاميركية باستخدام القواعد الجوية التركية، وان الطرفين يلتقيان على مواجهة “داعش” في الشمال. المسؤولون الاميركيون يرفضون الذهاب ابعد من ذلك، على الاقل قبل عودة المفاوضين الاميركيين الى تركيا للعمل على التفاصيل. وكما يقول الاميركيون، الشيطان هو في التفاصيل.
وبينما تحدث وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو عن ان المناطق الآمنة سوف تقام بشكل طبيعي في شمال سوريا بعد اقتلاع خطر داعش”، قال مسؤولون أميركيون بوضوح إنه لا خطط لإقامة أي مناطق آمنة للمدنيين تلتزم واشنطن وحلفاءها حمايتها من قوات النظام السوري، كما ترغب تركيا والمعارضة السورية. وقال مسؤول اميركي في ايجاز خلفي مع الصحافيين الثلثاء “نحن لا نقوم بترسيم مناطق أو نفعل أياً من الاشياء التي تناقش منذ سنوات: مناطق حظر طيران، مناطق آمنة. ما نفعله هو البحث في سبل استئصال داعش” من منطقة طولها 68 ميلاً على الحدود مع تركيا”. الاميركيون كانوا واضحين لجهة عدم وجود أي خطط لنقل اللاجئين الى هذه المنطقة، أو توفير الحماية البرية أو الجوية لهم، لأنه لا خطط لنشر قوات برية تركية او أميركية في أي منطقة تقتلع منها قوات “داعش”.
ويرى فريديرك هوف المسؤول السابق عن الملف السوري في وزارة الخارجية الأميركية انه اذا لم يتم التصدي للطيران السوري ومنعه من رمي البراميل المتفجرة في أي منطقة ينسحب منها “داعش”، واذا لم توفّر الحماية للمدنيين، فإن أي اتفاق مع تركيا سيكون محفوفاً بالمخاطر. وحتى الان لا مؤشر لاعتزام اوباما تغيير أسلوب تعامله مع المأساة السورية.