Site icon IMLebanon

تضارُب المصالح يُطيح بقانون إنتخاب جديد

على الرغم من انشغال البلاد طوال الأسابيع الماضية بالحديث عن المشاورات الجارية لتأمين ولادة قانون جديد للانتخابات، فإنّ المعلومات تشير إلى أنّ هذه المشاورات أقربُ إلى الثرثرة منها إلى إنتاج قانون جديد يحظى بموافقة معظم القوى الأساسية.

تروي مصادر مشاركة في جانب من هذه المشاورات أنّ ما يحصل هو أشبَه بـ»حوار الطرشان» في ظلّ تضارُب المشاريع وتناقُض الأهداف والمصالح.

وخلال الأيام الماضية، اشتدّ ضغط رئيس الجمهورية ومعه الفريق الشيعي لدفعِ تيار «المستقبل» ومعه الحزب التقدمي الاشتراكي إلى القبول بالنسبية وفقَ المشروع الذي كان قد طرَحه الرئيس نجيب ميقاتي عندما كان يتولّى رئاسة الحكومة.

لكن لا شيء يوحي في الأفق أنّ «المستقبل» ومعه النائب وليد جنبلاط سيقبلان باعتماد نظام انتخابي وفق الاقتراع النسبي. وبدا أنّ الرئيس سعد الحريري الذي يحاول أن يبديَ مرونةً في الشكل لتحاشي الاصطدام برئيس الجمهورية، لن يرضى ببديل من القانون المعمول به حاليّاً سوى بالمختلط ووفق الصيغة التي تلائمه، وهو ما يعترض عليه الفريق الشيعي.

وبخلاف الكلام المعلن، فإنّ معظم القوى باتت ترى أن لا قدرة على استبدال القانون الانتخابي المعمول به حالياً، خصوصاً أنّ الضغط الدولي والإقليمي يعطي الأولوية لضرورة حصول الانتخابات هذا الصيف ولو من دون إقرار قانون جديد للانتخابات.

وكان لافتاً ومعبّراً الانطباع الذي خرَج به وزير الداخلية نهاد المشنوق بعد لقائه رئيس الجمهورية، والذي قضى بتمديد مهلة تعيين هيئة الإشراف على الانتخابات شهراً إضافياً، بحيث بات الموعد الجديد، وهو 20 آذار، يتلاءم مع إجراء الانتخابات في 20 حزيران المقبل، وهو آخِر يوم من ولاية مجلس النواب الحالي، بما معناه أنّ الجميع بات يُدرك أنّ المناخ الخارجي يريد انتخابات نيابية ومن دون إقحام البلاد في مخاطر الفراغ النيابي ولو لساعة واحدة.

ما يعني أنّ أمام القوى السياسية مهلة جديدة حتى منتصف الشهر المقبل للاتّفاق على قانون جديد، ولو أنّ الواقع يشير إلى أنّ التباعد لا يزال سيّد الموقف وأنّ من الصعوبة التوصّل إلى تفاهم انتخابي، إلّا إذا حصلت مفاجأة غير متوقعة وغير محسوبة.

ومكمن الصعوبة مصدرُه حسابات الأطراف، وهي كالآتي:

1- إنّ النتيجة التي سترسو عليها الانتخابات ستنعكس حتماً على وزن القوى وأحجامها السياسية، وبالتالي فإنّ الساحة المسيحية التي تعيش مرحلة ما بعد التفاهم «العوني» – «القواتي» تشهد «شهيّة» لإعادة إنتاج صورة جديدة للتمثيل المسيحي وتصفية بعض الشخصيات المناطقية والمستقلّة ووارثة القوى الأخرى، مثل حزب الكتائب وامتدادات تيار «المردة» خارج زغرتا تحت شعار قوّة القرار.

2- إنّ الحسابات الموجودة تُطاول معركة رئاسة الجمهورية المقبلة. صحيح أنّ الولاية الرئاسية للعماد ميشال عون تتجاوز مدة ولاية المجلس النيابي المقبل، لكنّ إرساءَ واقع نيابي جديد سيَعني تكريسَ الموقع والتمهيد جيّداً للمعركة الرئاسية بعد خمس سنوات ونصف سنة، هذا إذا لم تحدث مفاجآت، ووفق ذلك فإنّ نجاح عون في الوصول إلى قصر بعبدا دشَّن مرحلة جديدة تقوم على وجوب وصول رئيس يمثّل شريحةً من الشارع المسيحي، ومعه يبدو أنّ الحسابات ستتركّز حول تنافس ثلاثة مرشّحين: سمير جعجع، جبران باسيل وسليمان فرنجية.

ومعه بدا أنّ معركة ضارية يجري التحضير لها في زغرتا مثلاً حيث يجري تحضير ميشال معوّض ليترأس لائحة مواجهة لفرنجية، مستفيداً من التحالف القائم بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، والأهمّ مِن الوهج الذي أضافه وصول عون إلى قصر بعبدا. أمّا في المناطق الأُخرى فالحسابات تختلف بين دائرة وأخرى.

3- واقع الحريري الذي سَمع من عون خلال المفاوضات التي سبقت وصوله إلى قصر بعبدا أنّه يؤيّد وصول الحريري إلى رئاسة الحكومة طالما إنّه يمثّل الأكثرية على الساحة السنّية، وهو ما يعني أنّ الحريري مضطرّ للحفاظ على موقعه التمثيلي داخل الطائفة السنّية ليضمن بقاءَه في رئاسة الحكومة.

ووفق هذه الصورة، بدا أنّ زيارة الموفد السعودي إلى لبنان حملت أهدافاً أبعد من تجديد تأكيد عودة العلاقات اللبنانية – السعودية إلى سابق عهدها.

فالمدة الطويلة نسبياً للزيارة حملت ما يشبه الدفعَ لإعادة التقريب في وجهات النظر بين القيادات السنّية، خصوصاً في ظلّ ما يُحكى عن وجود شهية لدى الرئيس نجيب ميقاتي لأن يكون ممثّلَ المجموعة السنّية الخارجة عن عباءة الحريري، ما سيَسمح له لاحقاً بأن يطرح نفسَه مرشّحاً فعلياً لرئاسة الحكومة.

4- حسابات جنبلاط بوجود نيّة لتصفية حسابات سياسية معه من خلال الانتخابات النيابية وتحجيم حضوره السياسي من خلال حصّتِه النيابية تمهيداً لإبراز زعامات درزية أُخرى وهو الذي كان يستعد لتوريث نجلِه تيمور.

من أجل كلّ هذه التناقضات والحسابات المتضاربة، لا تبدو فرضية ولادة قانون جديد للانتخابات ذاتَ حظوظ مرتفعة، فيما لا تزال جهات مراقبة تعطي الأرجحية لتعديلات تُطاول القانون الحالي مرفقةً بوعود جدّية حول إنجاز المجلس النيابي المقبل قانونَ انتخابات جديداً، وبالتالي إجراء هذه الانتخابات في حزيران المقبل انسجاماً مع الدعوات الإقليمية والدولية.