السجال عبثي حول خطر الارهاب التكفيري على لبنان. حتى الحوار، فانه يبدو مثل تمارين في العبث. فالخطر كبير من دون حاجة الى خطاب التكبير لدى البعض والتصغير لدى البعض الآخر. وهو شامل، لا محصور في جرود عرسال، بصرف النظر عن إعطاء المعركة الهجومية المطلوبة طابع الإلحاح والعجلة في حسابات حزب الله وحلفائه، وطابع الاستعداد لرد الخطر دفاعاً وهجوماً في حسابات الجيش.
ذلك أن لبنان ليس بلداً لشعب له حدود وسيادة بالنسبة الى تنظيم داعش وجبهة النصرة التابعة للقاعدة وبقية التنظيمات الأصولية المتطرفة. فهو، مثل بلدان المنطقة، جزء من أمة متخيّلة ومساحة جغرافية من أرض الله. ولن يبقى في حسابات داعش خارج دولة الخلافة التي بدأت نواتها على نصف مساحة سوريا وثلث مساحة العراق، ولها ولايات في ليبيا وسيناء ونيجيريا وخلايا نائمة في كل بلد تقريباً تتحرك حسب الأوامر أو بالاندفاع الذاتي. أما وصول دولة الخلافة الى لبنان، فانه مسألة وقت بالنسبة الى خطط داعش. وأما جعل هذه الخطط مهمة مستحيلة، فانه مسؤولية اللبنانيين جميعا.
ولسنا في افضل حال لمواجهة هذا الخطر الكبير. فلا الوحدة الوطنية التي تبقى الاساس والضمان الوحيد لنجاح المواجهة هي المناخ الذي نعيش فيه حالياً، حيث الاحتقان المذهبي في الذروة. ولا مؤسسات الدولة، على ما فيها من نواقص وثغرات، تعمل بالحد الادنى، حيث الرئاسة شاغرة والمجلس النيابي معطل، ومجلس الوزراء منقسم الا حول المحاصصة. وآخر ما يقود الى محاربة الارهاب هو تعطيل مجلس الوزراء، وبالتالي القرار السياسي والغطاء لأي عمل ومعالجة شؤون الناس. والاشارة الاولى الى جدية الحرب على الارهاب هي اعطاء الاولوية لانتخاب رئيس للجمهورية بحيث تعود آلة السلطة الى العمل.
والخيار واضح اذا كان المتاح في هذه المرحلة هو خوض معركة عرسال وجرودها ضمن أجندة لبنانية، لا أجندة اقليمية. ففي معركة القلمون السوري ضد الارهاب التكفيري اختار حزب الله ان يلعب الدور الاساسي الذي اخرج هؤلاء من القلمون. وفي استكمال المعركة عبر جرود عرسال لجأ الى اوسع استنفار سياسي واضعا مجلس الوزراء امام خيار محدد: إما ان يكلف الجيش خوض المعركة، وإما ان يقوم هو بالمهمة. لكن الكل يعرف مضاعفات الخيار الثاني في المناخ المتوتر الذي نحن فيه. فلا ضمان لأن تأخذ المعركة بعدها الوطني الا عبر دور الجيش. ولا يجوز املاء التاكتيك والتوقيت ونوع المعركة على الجيش الذي يختار هو كيف يحارب تحت مظلة القرار السياسي الوطني.