Site icon IMLebanon

المواجهة على «أرض» القطاع المالي تجعل الخسائر بلا سقف

لا تبدو الأمور في خير، وما كان يُخشى منه وصل اليه البلد، ووقعت المواجهة ذات الامتدادات الاقليمية على «أرض» قطاعه المالي، وكيفما انتهى الصراع هناك خسائر وقعت وستقع على «صاحب الأرض»، وسيدفع ثمنها كل اللبنانيين.

دخلت قضية القانون الأميركي لتجفيف منابع تمويل حزب الله مرحلة جديدة ودقيقة مختلفة تماما عن المرحلة السابقة التي اعتقد فيها البعض ان حزب الله قد يرضخ للأمر الواقع، ما دام قادته قد اكدوا ان لا حسابات للحزب في المصارف، وان التمويل لا يمر أساساً في القطاع المالي اللبناني.

هذه التخمينات سقطت، بعدما أعلن الحزب أخيراً ان القانون الأميركي لن يمر، وبالتالي صارت المواجهة مفتوحة على كل الاحتمالات. لكن السؤال المطروح اليوم، بما ان العودة الى الوراء صارت غير مُتاحة، ما هي الخطوط العريضة للحلول الممكنة؟

قبل اقتراحات المعالجة لا بد من الاشارة الى الملاحظات التالية:

اولا- ان توقيت اعلان حزب الله لموقفه الرافض جاء قبل زيارة مساعد وزير الخزانة الاميركية دانيال غلايزر الى بيروت المقررة مبدئيا في ايار.

ثانيا – انتظر الحزب صدور التعاميم عن مصرف لبنان المتعلقة بالقانون قبل ان يعلن موقفه.

ثالثا- تبيّن أن مسألة تحييد رواتب وحسابات نواب ووزراء حزب الله غير مُتاحة، وبالتالي فان هذه الحسابات مُعرّضة للاقفال.

رابعا- ان توحيد المعايير لتطبيق مندرجات القانون غير ممكنة، لأن لا سلطة محلية تستطيع ان تحدّد للمصارف ما هو الصح وما هو الخطأ، في اي تدبير احترازي يُتخذ.

وهنا، لا بد من القول ان الاعتقاد بأن حزب الله اتخذ موقفه العدائي من القانون، وهاجم المصارف والمصرف المركزي والحكومة بسبب إقدام احد المصارف على اقفال حسابات نائبين ينتميان الى حزب الله ليس منطقيا، لأن موقف الحزب معروف، والمسار التصعيدي بدأ منذ صدور القانون في كانون الاول 2015، وقد اعلنه بوضوح امين عام الحزب السيد حسن نصر الله، وبالتالي، لا اجتهاد في النص، ما دام الموقف كان مُعلناً على لسان أعلى مرجعية في الحزب، وباللهجة القاسية نفسها التي وردت في بيان كتلة الحزب.

هنا لا بد من الاضاءة على نقطة مهمة مُلتبسة على البعض. اذ يتردّد ان المصارف ينبغي ان تكتفي بالالتزام باغلاق حسابات الاشخاص الذين ترد اسماؤهم في اللوائح الأميركية السوداء، وعليها ألا تبالغ في إقفال حسابات أشخاص لا ترد أسماؤهم في هذه اللوائح.

لكن ما يُخفى على من يتبنّى هذه النظرية أن القانون الأميركي لا يطال المصارف التي تواصل التعامل مع من يرد اسمه على لوائحها السوداء فحسب، بل تعاقب كل مصرف مُقصّر في تنفيذ مندرجات القانون. وعلى سبيل المثال، عندما ترد في القانون فقرة تتحدث على وقف التعامل مع من يمثّل حزب الله، ألا يعني ذلك قطع العلاقة مع نواب ووزراء الحزب؟

المعضلة ان أي طرف محلي، لا يستطيع ان يمنح المصارف ضمانات تتعلق بتفسير القانون لاتخاذ الاجراءات من دون خوف من العواقب. والمشكلة ايضا، ان كل مصرف على حدة مسؤول عن تصرفاته حيال الادارة الاميركية المتابعة لتطبيق القانون، وبالتالي لا يستطيع المصرف ان يبرر اي خطأ بأن مصرف لبنان، على سبيل المثال، طمأنه الى ان يفعل كذا أو كذا.

وبالتالي، كل مصرف متروك لتقديراته وعليه ان يتحمّل تبعات القرارات التي يتخذها في تفسير القانون، واذا أخطأ يعاقب. وهذا ما يفسّر لماذا قد تقفل المصارف حسابات مصرفية لأشخاص لم ترد اسماؤهم في اللوائح السوداء.

لكن الأهم الان، الى اين تتجه المواجهة وكيف ستكون المعالجة؟

الجواب لا يستطيع ان يعطيه اي طرف سياسي او مالي حتى. وقد أصبح القطاع المالي بين نارين، نار العقوبات الأميركية القاتلة، ونار حزب الله التي لا تقل خطورة.

ولا توجد وصفات عجائبية يستطيع ان يجترحها رئيس الحكومة تمام سلام وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وهما مكلفان من مجلس الوزراء متابعة الملف. كل ما يمكن فعله هو أن يصلي اللبنانيون لكي يلهم الله واحداً من الطرفين (أميركا/حزب الله) ليرحمّ البلد وأهله.