أ
يُكمل سياقه الإيراني، الرئيس الأميركي دونالد ترامب ويؤكد جدّيته التامّة في وضع مواقفه موضع التطبيق والذهاب بها الى حيث يريد.
ولم يعد الأمر موضع تكهن أو تحليل أو انتظار. بل صار محل تأكيد: هذا الرئيس يُشهر ويُباشر سياسة قطع مع سلفه باراك أوباما في شأن إيران وسياساتها وتوجهاتها. ولم يترك «فرصة» واحدة تمرّ من دون التقاطها، بغض النظر عن جغرافيتها وطبيعتها.. بدأ مع التجربة الصاروخية داخل إيران نفسها، ثم التقط الاعتداء الذي طال الفرقاطة السعودية، ثم ذهب الى المبادرة الاستباقية في موضوع العراق قبل أن «يتوّج» مواقفه بالتغريدة الأخطر التي تحسّر بها على ضياع فرصة «انهيارها» (إيران) بعد أن رمى أوباما طوق النجاة من خلال الاتفاق النووي، الذي سمح بتقديم مئة وخمسين مليار دولار إليها!
بهذا المعنى يصبح «التحذير الروسي» الذي وجهه مستشار الأمن القومي مايكل فلين تفصيلاً مضافاً على أجندة واضحة عنوانها الوحيد هو التصدي والمواجهة، ووضع كل الملفات المتصلة بالأداء الإيراني، على الطاولة دفعة واحدة… كأن الرئيس الأميركي الجديد وإدارته المستنفرة، على عجلة من أمرهما! ويريدان «البتّ سريعاً بما يفترضان أنه وضعٌ ما كان يجب أصلاً أن يكتمل ويصل الى ما وصَلَ إليه!
وبهذا المعنى أيضاً، قد يتحوّل أي حادث ميداني، عارض أو مقصود، براً وبحراً وجواً، الى صاعق تفجير مواجهة مباشرة أميركية – إيرانية غير مسبوقة برغم كل ما حَوَته العقود الثلاثة والنصف الماضية من توترات قصوى بين الطرفين، و«ضربات»متفرقة تنقلت من بيروت الى طهران نفسها مروراً بالعراق (طبعاً!) وبالخليج العربي مياهاً وسماءً!
حديث ترامب عن«التوسع الإيراني»في العراق يضمر نيّة تصفية حساب معلّق! وإشارته الى أنّ الولايات المتحدة صرفت نحو ثلاثة آلاف مليار دولار في هذا البلد وبرغم ذلك جاءت إيران وحصدت الجنى كله، يعيد التذكير بواحد من أكثر المواقف النافرة التي أطلقها خلال حملته الانتخابية حيث دعا الى إعادة احتلال العراق والسيطرة على نفطه!
لكن بين هذا الموقف المستحيل، والاستمرار في سياسة غضّ النظر عن«توسّع»إيران وسيطرتها الفعلية على الأرض والحكم، الشارع والشرعية، يفتح ترامب خطاً ثالثاً. والسؤال هو عن معنى ذلك، طالما أنّ المعركة في أوجها مع»داعش«عند أبواب قلعته الموصلية؟ وطالما أن الطيران الحربي الأميركي يشتغل فعلياً كسلاح جو في خدمة«المشاة»المدعومين من«الحرس الثوري»مباشرة، الزاحفين على الموصل؟!
.. ثم أن العراق موصول إيرانياً، بسوريا! الأمر الذي يُعيد أيضاً التذكير، بأن في ارفع مستويات القرار داخل إدارة ترامب، هناك من يرى بأن التخلص من (بقايا نظام) بشار الأسد سيكون أكبر ضربة توجّه الى الإيرانيين، لأنه أكبر «استثمار» خارجي لهم، على مدى العقود الثلاثة والنصف الماضية!
تُكدّس الادارة الأميركية إشارات المواجهة، وهذا يعني مبدئياً وتلقائياً ومنطقياً، أنها تملك أجندة مكتملة وفيها أجوبة جاهزة عن الأسئلة المطروحة، الصعبة والسهلة.. وما على الجميع في المنطقة وخارجها سوى البدء بالعد العكسي لرؤية ما يعنيه ذلك كله، على الأرض! الله يستر!