Site icon IMLebanon

إرتباكٌ يضرب التحالفات

 

تعيش غالبيةُ الأحزاب والقوى السياسية في حيرةٍ من أمرها، لأنّ الأولويّة هي لمعالجة العاصفة السياسية التي أحدثتها إستقالةُ الرئيس سعد الحريري وتداعياتها التي لم تنتهِ فصولُها بعد.

مَن يراقب الوضعَ الإقليمي والدولي يُدرك جيداً أنّ المواجهة الكبرى مقبلةٌ لا محال، لكنّ أحداً لا يعلم شكلَها وكيف ستبدأ وكيف ستنتهي خصوصاً أنّ الموقفَ السعودي والعربي تجاه إيران و«حزب الله» يأخذ منحىً تصاعدياً، وهذا ظهر جلياً خلال إجتماع القاهرة، أمس، في حين أنّ طهران لا تزال على مواقفها وتصرّفاتها في لبنان وسوريا والعراق واليمن وكل المنطقة العربية.

ويَزداد الضياعُ السياسي الداخلي في ظلّ الضبابية التي تحملها المرحلةُ المقبلة، وبات الجميعُ شبهَ مُسلّم بأن لا أمل في تأليف حكومة جديدة ما دامت التوازناتُ السياسيّة على ما هي عليه، في وقتٍ تُطرَح على بساط البحث مسألةُ إجراء الإنتخابات النيابية من عدمها.

ووسط تأكيدِ رئاسة الجمهورية ووزارة الداخلية، وحتى الحريري نفسه، أنّ الإنتخابات في موعدها إلّا أنّ الشكوك ما زالت تراود الكثيرين، وهنا لا تستطيع القوى إهمالَ الأزمات السياسية الكبرى مثل مسألة سلاح «حزب الله» ودوره، وتأليف حكومة جديدة بعد تقديم الحريري إستقالتَه الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون رسميّاً، والعلاقات مع السعودية والدول العربية، والتفرّغ للتحضير لإنتخابات قد لا تحصل، وكذلك لا يمكنها إهمال الانتخابات لأنّ لبنان بلد المفاجآت والتقلّبات السريعة.

لكنّ الأكيد أنّ أيّاً من السياسيين المحليين لا يعرف إتّجاهَ البوصلة، فالحريري قد يعود ويُكلَّف لكنه لن يستطيع التأليف، كما أنّ ضغط المجتمع الدولي قد يُجبر السلطة على إجراء الإنتخابات النيابية في موعدها خصوصاً أنّ التمديدَ مرّةً جديدة سيشكّل ضربةً قويّة للعهد، من هنا يبرز إصرارُ عون على إجرائها في موعدها، وهو صاحبُ نظرية أنه إذا اشتدّت الأزمةُ السياسية فالحلّ بالتوجّه الى صناديق الإنتخاب.

وفي حال تمّ هذا الأمر، فإنّ القوى السياسية ستشهد خلطةً تحالفية جديدة، وهنا يُطرح سؤال كبير هل سيعود مشهد «8 و14 آذار»، أم أنّ الوضع سيبقى على حاله.

إذا عاد مشهدُ الإصطفاف القديم، فإنّ أولى ضحاياه سيكون تحالف «التيار الوطني الحرّ» وتيّار «المستقبل»، رغم تمسّك مَن شارك في إبرام التسوية الرئاسيّة بهذا الحلف، وهذا يعني فرط التسوية بشكل شبه نهائي.

ومن جهة ثانية، ستكون «القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحرّ» على طرفي نقيض، مع العلم أنّ الأحوالَ ساءت بينهما قبل إستقالة الحريري والوضع يتّجه الى التصعيد، وكل المؤشرات تدلّ على هذا الأمر سواءٌ تمّ إنقاذُ التسوية أو لا.

ويطرح رسمُ الخريطة الجديدة للتحالفات تحدّياتٍ داخل الفريق الواحد، خصوصاً أنّ التصدّعات بلغت الذروة، ويبدو أنّ جمع فريق «8 آذار» يبدو أسهل من إعادة لملمة «14 آذار»، وهنا يبرز تحدّي إعادة لمّ شمل «التيار الوطني الحرّ» وحركة «أمل»، علماً أنّ المهمّة باتت أسهل بعد التنسيق والمعالجة التي قام بها عون والرئيس نبيه برّي لأزمةِ إستقالة الحريري، فيما الإشكالُ الأكبر كان بين برّي ورئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل أكثر منه مع عون.

وإذا سلكت الأمورُ مجراها الطبيعي بين الحركة و»التيّار»، فإنّ المهمة الأصعب تتمثّل في إعادة ما إنقطع بين باسيل وتيار «المردة»، بعدما كانت العلاقات وصلت الى مرحلةٍ من التراجع لم تشهدْها سابقاً.

أما على صعيد فريق «14 آذار»، فهناك تساؤلاتٌ عن إمكان تصالح الحريري والوزير السابق اللواء أشرف ريفي وعودة المياه الى مجاريها، خصوصاً أنّ البعض يقول إنّ السعودية تعمل على جمع كل الشخصيات السنّية تحت عباءةٍ واحدة، وضمناً الحريري وريفي. في حين أنّ الأزمة الأخيرة أربحت تيار «المستقبل» عطفاً شعبيّاً عوّض ما فقده نتيجة التسوية الرئاسية.

من جهة ثانية، فإنّ العلاقة بين «المستقبل» و»القوات اللبنانية» مستمرّة عكس ما يروّج البعض، والتلاحم بين القاعدتين موجود وسط تأكيد القيادتين عدمَ الإنجرار خلف الشائعات.

وبالنسبة الى «القوات» والمستقلّين المسيحيين، فإنّ العلاقة تحتاج الى ترميم بعدما شهدت المرحلة الماضية تباعداً وصل الى حدّ الصدام، وهذا الأمر يحتاج الى مزيد من الوقت ولا يتمّ بين ليلة وضحاها. فيما لم تلاقِ العلاقة القواتية- الكتائبية طريقَها الى الحلّ بعد، وهذا التحدّي يحتاج الى معالجاتٍ جذرية، على رغم أنّ الهوّة الكلامية ما زالت كبيرة في حين أنّ المواقف السياسية من الأحداث والملفات الكبرى متشابهة الى حدٍّ بعيد.

لا شكّ في أنّ المشهد الذي ارتسم منذ سنة من الصعب محوُه في أيام، خصوصاً بين التيارَين الأزرق والبرتقالي اللذين اعتادا على التسوية، يضاف إليه موقفُ عون المتمسّك بالحريري، لكنّ التحدي الأكبر هو إجراءُ الإنتخابات.

ويبقى الإنتظارُ سيّدَ الموقف، حيث يتوزّع الإهتمام على عودة الحريري وما سيفعله، وبلورة المبادرة الفرنسية، ومراقبة طريقة تصرّف «حزب الله» وحلفائه الذين أبدوا كل إهتمامٍ بعودة الحريري، فهل سيقدّمون تنازلاتٍ من أجل لبنان، وينسحبون من حروب المنطقة التي ذهبوا إليها من دون إستشارة اللبنانيين أو موافقتهم؟