بات الظهور الكلامي للأمين العام لـ «حزب الله» ينقسم في كل مرة تقريباً الى شقين.
واحد لـ «الاقليميات المذهبية» التي تجعله يرى النظام البعثي والحشد الشعبي والحوثيين تلامذة مجتهدين أتقياء في مدرسة داخلية، ويتعامل مع وقائع التبديل الحربي لخارطة الجماعات الأهلية في العراق وسوريا واليمن كمخاضات «انصهار وطني» يتفانى بالسلاح الكيماوي والبراميل. يتحسس من أجنبية الدور التركي و«عروبة» ايران وروسيا تتنزل على قلبه مثل العسل. الى آخر السبك «المنطقي»، المفرط في منطقيته.
وشق ثانٍ للشأن اللبناني، وفيه تتراجع النبرة الهجومية الاقليمية الى حد ملحوظ، وتستعيد كل كلمة وكل عبارة زنة مختلفة عن سواها.
وهنا يعمل على الجمع بين «أخذه طرفاً» في النزاع اللبناني، وبين «تمييع» أو «تعتيم» مواقفه من مسائل بعينها، والمزج بين المستويين مرات عديدة، علّ هذا الالتباس يظهره بدور «الخصم والحكم» في آن، الذي لا يطلب شيئا لنفسه، كونه يتغلب بسلاحه على الغير.
وفي الشق الثاني، بكلام الأمس، التباسات عديدة. من ناحية، «يأخذ على خاطره» ان ترشيح الرئيس سعد الحريري لعون قد ترافق مع تصعيد على الحزب، وان الحزب لو رد على هذا التصعيد بتصعيد لكان الاستحقاق الرئاسي في خبر كان، وبالتالي الحزب يضحي الآن بملاقاة هذا الترشيح. وطبعاً ينسى زعيم «الحزب» كلام نائبه في ايلول الماضي، بأنه اما انتخاب عون واما التصعيد.
ثم يسترسل زعيم «حزب الله» في كيفية ترتيب البيت الداخلي للثامن من آذار، بشكل تفرز المنحى التالي:
اولاً، ابقاء احتمال تأجيل الاستحقاق وارداً، حتى عشيته. ثانياً، السعي لتأمين مظلة مشتركة مع الحركة والتيار العوني – بما قد يطرح احتمال او مسعى تأجيل الجلسة. وثالثاً، تجديد الوعد للعماد عون بانتخابه. مع التطرق مباشرة الى موضوع «القلق العوني» عند القاعدة ثم عند عون نفسه. قاعدة التيار الوطني توجه اليها السيد نصر الله بكلام عام لتهدئة الخواطر والتحذير من الشائعات، اما العماد عون فتوجه له نصر الله بالقول انه لو كان نظام المجلس يسمح، والبديهي انه لا يسمح، بإظهار اعضاء كتلة «الوفاء للمقاومة» لاسم عون على اوراق الاقتراع لفعلوها، وانه ليس لعون ان يشك لاحقاً بأن الحزب سيقوم بتوزيع اصواته بين ميشال عون وسليمان فرنجية.
ثمة انطباعات، مؤشرات، بين الكلمات، لكن لا شيء محسوم بالنسبة الى «حزب الله» على ما يظهره أمينه العام من ناحية تثبيت موعد الجلسة آخر هذا الشهر، وقد حاول الظهور في مظهر مَن لم يبلّغ بعد بالموعد، ناهيك عن عدم تبليغه بوجوب الاقتراع السري في الجلسة. (كان يفترض بنصرالله قراءة المادة 49 من الدستور التي تنص على الاقتراع السرّي في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية).
يبقى ان الفارق موجود بين التسويغ الذي على اساسه ربط العماد ميشال عون ترشيحه المزمن للرئاسة بـ«ميثاقية اجازة مرور» كل ذي شعبية اكثروية في طائفته الى المنصب المناط بهذه الطائفة في رأس الدولة، وبين نظرة «حزب الله» التي تتعامل مع كل حالة بحالتها، وهي اعلمت اللبنانيين بالأمس على لسان نصر الله بأنها «لا تمانع» عودة الرئيس الحريري لرئاسة الحكومة.
فهل ان موعد الجلسة تجاوز كل قلق بشأن الضغط لتأجيله؟ لا. كلام نصر الله يوحي بأن الضغط لأجل ذلك سيتواصل ان لم ينل «مراده» غير المفصح عنه بوضوح خلال الكلمة.
وهل ان الحزب سيسهل تشكيل حكومة في حال استتباب العهد الجديد؟ حتى الآن، اشارات متفرقة وبعدها مضلل او غير مكتمل، وذكريات مرة مع مسيرة الحزب التعطيلية في هذا الشأن، ناهيك عن التبعات المحلية لكلامه في «المذهبيات الاقليمية»، في القسم الاول من كل خطاب، بشكل سجالي هجومي: فمن لا يرى المعطيات الاهلية في الموصل او في حلب؟ هل من امل ان يرى لبنان وتوازناته الاهلية كما هو وكما هي؟