بدأ العد العكسي للقمة العربية الدورية التي يصادف إنعقادها على حدود خطوط نار مشتعلة على مدار الساعة.
مكان إنعقاد القمة هو الأردن وفي منتجع على ضفاف البحر الميت تفادياً لا قدَّر الله لعمل إنتحاري ما يحدث في العاصمة عمان ويتسبب في حدوث ما لا يتمنى المضيف حدوثه. هذا لا يعني أن الأخطار مستبعدة الحدوث عن الجمع العربي. ونتذكر هنا كيف أنه حتى النمسا الدولة الآمنة والعريقة التي تنعم بأعلى درجات الأمن والإستقرار تعرضت قمة للدول المصدِّرة للنفط «أوبيك» عُقدت في عاصمتها فيينا في كانون الأول 1975 لعملية إرهابية نفّذها كارلوس الذي إقتحم بالرشاشات والقنابل القاعة التي يجتمع فيها وزراء النفط لدول المنظمة وإحتجزهم، وكادت الواقعة لو فشلت صفقة تسوية معه ومع مرجعيته «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» تولاها وزير النفط السعودي الأسبق أحمد زكي يماني تنتهي فاجعة كُبرى ويذهب ضحيتها رموز ثروة الذهب الأسود وزراء النفط زمنذاك في دول منظمة «أوبيك».
نقول ذلك وأمامنا في المشهد المتفجر بنسب متفاوتة في دول الجوار الأردني سوريا المنتفِضة دون توقُّف والعراق المبتلى دون تبصُّر وفلسطين المحتلة من الصهاينة المعتدين على مدار السنين، جولات وصولات متنوعة الإخراج والتنفيذ والهدف. وعلى هذا الأساس فإن الإنعقاد هو في حد ذاته فِعْل شجاعة من القادة العرب. لعل هذا الفِعْل يُحفّزهم إلى أن يتلاقوا على كلمة سواء تخفف مفاعيلها من الحِمْل الثقيل الذي تنوء الأمة تحت وطأته.
وثمة مؤشرات تجعلنا نتفاءل خيراً، ومنها أن السعودية والعراق بدأتا التزاور والتشاور بهدف ترطيب الأجواء لإعادة العلاقات إلى ما يتمناه الشعبان لها، وها هو رئيس الحكومة حيدر العبادي بعد محادثات أجراها مع الرئيس دونالد ترامب وتزامنت زيارته إلى واشنطن مع حلول الذكرى السنوية الرابعة عشرة للحرب الأميركية- البريطانية ذات النكهة العربية على العراق (الإثنين 20 آذار 2003)… ها هو الرئيس العبادي يتفاءل خيراً بتطوير علاقة العراق مع المملكة نحو الأحسن. ومِن المؤشرات أن الغيمة الداكنة في سماء العلاقة بين مصر السيسية وفلسطين العباسية على طريق الإنقشاع. وفي نهاية الأمر إن إحتضان مصر للسلطة الوطنية الفلسطينية ورئيسها محمود عباس يبقى أجدى من الورقة الدحلانية الآيلة إلى الذبول. ومن المؤشرات أيضاً السعي الجدي على رغم بُطئْه لترطيب الأجواء السعودية- المصرية وصولاً إلى ما كانت عليه من تآلف، وتنقية الأجواء الخليجية- الإيرانية التي ربما يثمر السعي في كواليس دواوين بعض أُولي الأمور وبالذات أمير الكويت وسلطان عُمان تطبيعاً ينشر بعض الطمأنينة في النفوس. وفي تقديرنا أن الرئيس ترامب سيسدي بعض النصح للرئيس السيسي عندما سيزور واشنطن بعد إنعقاد القمة، وأهمية زيارته أنه سيحمل إلى الإدارة الأميركية جوهر الموقف العربي الذي شارك الرئيس المصري في صياغة رؤية الأمة للمرحلة المقبلة وبالذات ما يتعلق بتسوية الصراع العربي- الإسرائيلي. كما أن إسداء النصح سيشمل الرئيس محمود عباس الذي سيدخل البيت الأبيض للمرة الأُولى زائراً موضع الترحيب. والزيارة ستتم بعد زيارة الرئيس السيسي إلاَّ إذا كان هنالك سيناريو ترامبي للقاء الإثنيْن معاً وربما يكون الملك عبدالله الثاني زائراً إستثنائياً في الوقت نفسه وبصيغة رئيس القمة العربية.
وعلى الصعيد الدولي يأتي إنعقاد القمة بعد زيارات ولقاءات عربية – دولية حدثت أبرزها جولة الملك سلمان بن عبد العزيز الآسيوية ولقاء الملك عبدالله الثاني بالرئيس دونالد ترامب ثم الزيارة المدروس حدوثها أميركياً بكثير من العناية لوليِّ وليِّ العهد الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن والمحادثات التي أجراها مع الرئيس دونالد ترامب في البيت الأبيض وإنتهت على ما يجوز التأكيد بأنها مؤشر إلى رؤية سياسية وعسكرية مشترَكة بين أميركا ترامب والمملكة العربية السعودية. وهنا يجوز الإفتراض أن ادارة الرئيس ترامب تعمدت تعديل ما هو مقرَّر ومتفق عليه لموعد لقاء الأمير محمد بالرئيس ترامب بحيث يتم في اليوم الذي يكون الملك سلمان بدأ زيارته المهمة إلى الصين. كما يجوز الإفتراض أن حُسْن التصرف الصيني مع زيارة خادم الحرميْن الشريفيْن جعلت الرئيس ترامب يرفع مستوى التعامل مع زيارة الأمير محمد سواء لجهة اللفتات الشخصية أو لجهة أسلوب التعامل. وهكذا رأينا أن رئيس الدولة الأعظم يتعامل مع الأمير محمد بصفة تتجاوز المنصب الذي يشغله كما رأيناه منشرح المحيا ومبتسماً بعفوية، على غير المألوف عنه كما تعكس ذلك اللقطات المصوَّرة حيث هو متجهم دائماً خلال اللقاءات. بل إن الرئيس الأميركي الذي لم يكمل الشهر الثاني من الولاية بعد تعامل مع ضيفه تعامُل الند للند وإسقاط نسبة عالية من أصول البروتوكول الأميركي بالنسبة إلى إجتماعات الرئيس ولقاءاته. هنا يجوز الإستنتاج بأن الرئيس ترامب يريد مِن الذي أشرنا إليه القول للقيادة الصينية ما معناه إن نصيبكم من العلاقة الإستراتيجية مع المملكة وفي شخص قائدها الملك سلمان لن يكون على حساب نصيب الولايات المتحدة من المملكة وفي شخص الرمز الأكثر حضوراً في المشهد الإقليمي والدولي مستقبلاً وليِّ وليِّ العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز. ونضيف إلى ذلك الإستنتاج بعض الإفتراض من أن جولة الملك سلمان الآسيوية ومِن ضمنها الصين كانت الدافع إلى إتمام زيارة رسمية للأمير محمد إلى الإدارة الأميركية بكامل مؤسساتها.
وما يأمله الإنسان العربي هو أن لا يفتعل النظام البشَّاري عملاً يعكر صفو القمة المستضافة في أقرب جيرانه المملكة الأردنية الهاشمية، خصوصاً أن هذا العمل المعكِّر لن يفيد في تعطيل إنعقاد القمة كرد غير متعقل على تغييب سوريا النظام عنها والإكتفاء بإبقاء العَلَم السوري مرفوعاً إلى جانب بقية أعلام الأمة.. وفي إنتظار أن تصطلح الأمور وتشارك سوريا برئيسها في القمة. والله المعين والمستعان.