في قصيدة «عواء» للشاعر الأميركي الن غنسبرغ، والتي اعتبرت البيان التأسيسي لجماعة الهيبيين في أميركا يقول:
« أي أبي هول من الإسمنت والألمنيوم شظى جماجمهم وافترس أدمغتهم ومخيلاتهم
مولوخ… عزلة، قذارة، بشاعة، براميل قمامة ودولارات
أطفال يزعقون تحت السلام
صبية ينشجون في الجيوش،
شيوخ ينتحبون في المنتزهات.
مولوخ… مولوخ… كابوس مولوخ
مولوخ سيد الحقد، مولوخ العقيدة
مولوخ ولي البشر الظالم
مولوخ سجن عصي على الخيال
مولوخ الأسر المضني وشعار الموت بعظمتين متقاطعتين على كونغرس المآسي
مولوخ مبانيه يوم الدينونة!
مولوخ صخرة الحرب، مولوخ الحكومات الممسوخة
مولوخ العقل الآلي، مولوخ دمه من المال
مولوخ أصابعه عشرة جيوش،
مولوخ صدره آلة تفرم لحوم البشر،
مولوخ أذنه قبرٌ عظيم يعلوه الدخان»…
مولوخ هو إله كنعاني قديم كان البشر يحرقون البكر من أبنائهم لاسترضائه، وغنسبرغ شبّهه بقادة الشعوب التي تحيا على الحروب والموت والدمار.
في سياق الحديث عن مولوخ، لا بد لنا من أن نهنّئ الولي الفقيه على حسن إدارته لمشروع إيران النووي بعد أن أوصلته الديبلوماسية البراغماتية إلى برّ الأمان، في وقت فشلت دول عربية قريبة أو بعيدة عن إيران في الاحتفاظ بمشاريعها النووية من ليبيا القذافي إلى مصر عبد الناصر إلى عراق صدام.
هنا علينا الاعتراف، ليس فقط بفطنة وصلابة الفكر الفارسي، ولكن بالوقت ذاته بغفلة وخبل عالم عربي وقع تحت عباءة التقية المتقنة، وتحول بمعظمه إلى أداة طيعة في يد المشروع الفارسي منذ اليوم الأول الذي أطلق فيه الخميني شعارات معاداة إسرائيل وتوعد بـ«الموت لأميركا».
ببساطة لقد تمكنت إيران، بعد حربها المدمرة والمكلفة مع العراق بين و، أن تجند عرباً ليحاربوا بدلاً عنها عرباً آخرين في عقر دارهم، ويواجهوا الغرب بدماء مئات الآلاف من العرب.
لقد تعلّم الولي الفقيه الدرس سنة بعد أن تجرع كأس نهاية حرب بحجم الهزيمة، حسب قوله هو، ولكنه قرر، وخلفه من بعده، الانتقام من كل العرب مجتمعين بمَن فيهم مَن ساند إيران ضد صدام.
ألم نلاحظ أنه منذ نهاية حرب الخليج الأولى، لم يسقط إيراني واحد في مواجهة مباشرة على أرض إيرانية لا مع إسرائيل ولا مع أميركا، وبقيت المدن والمصالح في إيران محصنة وبعيدة عن الأذى، فيما تحول بعض العرب إلى خدم وإرهابيين ومتاريس جعلوا من أنفسهم قرابين بشرية لمولوخ إيران.
تسللت عدوى ولاية الفقيه لتفتك بعقول أعداد لا تحصى من الشيعة العرب فجعلت منهم أعداء لجيران وأبناء أوطان عاشوا معهم وناضلوا معهم في أطر سياسية وشعبية واجتماعية.. مثلما ابتلعتهم أسطورة وكيل المهدي فحولت رفاقاً في أحزاب يسارية وقومية ومدنية إلى أعداء نصبوا المتاريس المذهبية وتقوقعوا على طرفيها.
ترك الولي الفقيه الشيطان الأكبر، لا بل شجعه، ليدمر العراق بشيعته وسنته وكرده، ودعم التطرف السني تحت شعار محاربة الصليبيين ليسقط العراق المدمر والمجروح لقمة سائغة في يده بعد انسحاب الأميركيين.
تغلغل في مفاصل سوريا بعد موت حافظ الأسد من خلال رئيس أشبه بدمية إلى أن سقطت بأكملها في يده، والآن يمعن في تدميرها وقتل أبنائها قبل أن يتركها عاجلاً أم آجلاً.
حوّل لبنان وشيعته أداةً للقتل والإرهاب فتحول لبنان إلى ساحة مفتوحة للدمار على يد إسرائيل والتخريب على يد «حزب الله» من جهة والمتطرفين من جهة أخرى.
في اليمن، حدّث ولا حرج، هناك أيضاً فتح الولي الفقيه جرحاً عصياً على الالتئام واستعمل الحوثيين وآخرين من الفاسدين أداةً لتدمير بلد بشعبه وكيانه لمجرد تهديد السعودية وحشرها بين فكي كماشة.
وفي غزة ضرب الولي ضربته بشق الساحة الفلسطينية وجعل مشروع دولة فلسطين في خبر كان.
الإتفاق النووي، بقدر ما هو انتصار حقيقي لإيران، لكنه فضيحة عقائدية وأخلاقية لولاية الفقيه، بعد أن أصبح «الشيطان الأكبر» صديقاً، و«الاستكبار العالمي» ضمانة الاتفاق، أما المستضعفون فعلّهم يعون، وإن متأخرين، أنهم كانوا أداة الولي الفقيه في لعبة المساومة مع المستكبرين، في وقت كانوا يقدمون هم أولادهم وأنفسهم قرابين مجانية لمولوخ الشرق الجديد، الولي الفقيه.