بكل احترام وقف الرئيس التونسي المنصف المرزوقي امام السيدة التي كانت تشرف على عملية الاقتراع في احد أقلام سوسة، في حين توسّط راشد الغنوشي رئيس حزب “النهضة” زوجته وابنتيه ووقف امام المصورين رافعاً علامة النصر بعد الإدلاء بأصواتهم.
قبل الحديث عن العملية الانتخابية التي سينبثق منها البرلمان الأول، بعدما كان التونسيون قد اختاروا المجلس التأسيسي عام ٢٠١١، من الضروري ان نتذكر ان الحبيب بورقيبة كان أمس يقهقه في مثواه، وهو يعرف دور المرأة التونسية في المشهد الانتخابي الذي لم يكن لينجح لولا المرأة، التي كان بورقيبة اول زعيم عربي يعطيها حقوقها!
لم تكن “ثورة الياسمين” التي اقتلعت زين العابدين بن علي وافتتحت “الربيع العربي” الذي يتعثر، لتنجح وتؤسس لمسار تمثيلي يحترم إرادة الشعب، لولا دور المرأة التونسية الذي رسّخ ثقافة المساواة في العائلة التونسية وفي المجتمع التونسي.
وليس سراً ان السلفيين حاولوا السطو على الثورة فاقترفوا الجرائم وعطّلوا الحياة مدة عامين تقريباً، لكن المجتمع التونسي تمكن من ان يهمشهم ويعزلهم، وأمس عندما كانت عملية الإقتراع جارية في ١٢ ألف مركز اقتراع، كان الجيش يقاتل فلولهم في جبال الشعانبي على الحدود مع الجزائر.
لماذا تنجح “ثورة الياسمين” وتغرق ليبيا في دمائها؟
لأن سيكولوجيا المجتمع التونسي مشبعة بروح المساواة في الحقوق وحرية الإختلاف في الرأي. فقبل اشهر نقلت وكالات الأنباء صورة من أحد شوارع تونس لامرأة غاضبة تصفع سلفياً ملتحياً في الشارع أمام المارة، بعدما اعترضها قائلاً: “لماذا انت سافرة يا ساقطة؟”، فما كان منها إلا ان اندفعت وانهالت عليه بالضرب وسط تصفيق الناس. انها صورة لها دلالتها في ما يتصل بنجاح الثورة.
عندما ذهب المرزوقي الى سيدي بوزيد مدينة محمد البوعزيزي الذي احرق نفسه وأشعل الثورة، القوا عليه الحجار لأنه لم ينفذ وعوده للناس، وأمس عندما تجاوز الطابور ليدخل الى مكتب الإقتراع صرخ الواقفون به “ارحل”، فقال: “انا عائد اليكم عبر الانتخابات”… في امكنة اخرى لا يجرؤ الناس على مهاجمة المسؤولين، تقتلع أظافر الاطفال مثلاً قبل تدمير سوريا على رؤوس اهلها!
لن اتوقف عند الإشادات الاوروبية بالإنتخابات التونسية، لكن من الضروري ان يعرف اللبنانيون المحرومون الانتخابات لأسباب مخجلة ووقحة، أوصلتنا الى جعل التمديد الثاني ضرورة قاطعة لمنع الفراغ الكلي، ان التونسيين غرقوا في جدال طويل حول ما اذا كان يجب القضاء على الارهاب قبل الذهاب الى الانتخابات، فانتصرت نظرية ان الانتخابات هي السلاح الأول لمواجهة الإرهاب!
والانتخابات في لبنان تساعد على فرض الأمن ايها النواب الكرام… لهذا اقول: مبروك لتونس وحرام عليكم!